القوى الأمين.. شهادة للتاريخ، ونصائح لمن يهمه الضمير…

أود في هذه اللحظات التي تعبق بالفرح والتفاؤل، وبعد أن تأكد الجميع من صحة المعلومات التي ما فتئ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية يؤكدها حول تحسن صحة الرئيس وتعافيه، و قرب عودته إلى الوطن، وبعد أن قطع ظهور الرئيس وهو يمشي على قدميه، أحابيل الكذب والشائعات والأقاويل و الأيمان الغموس، تلك الأساليب الرديئة التي اتخذها البعض مركبا واهنا للوصول إلى غايات غير وطنية إطلاقا، أود في هذه العجالة، أن أنير الرأي العام ببعض النقاط المهمة، وأقدم شهادة للأيام والتاريخ في رجال يستحقون ذلك، ونصائح لآخرين ممن لم “يحكموا” بعد إغلاق آذانهم بشمع الأوهام.

بداية، للنخبة الموريتانية بصفة عامة، من غير الخافي أن موريتانيا توجد اليوم في منطقة زوابع إقليمية وصراعات عرقية وعقائدية، تطال كل دول منطقة الساحل في هذا الظرف – باستثناء بلدنا موريتانيا– التي لا تزال و لله الحمد، محصنة بعناية ربانية من تلك الصراعات.

إذ لم تحسم أربعة عقود من الزمن مشكل الصحراء، ولم تمكن كل الجهود الصادقة من ردم هوة الخلاف بين الأشقاء في المغرب والجزائر، وهو الصراع الإقليمي الذي كلف العرب والمسلمين المليارات وأضاع الفرص على قيام اتحاد مغاربي، وبدد جهود التنمية، فيما لم يخف تراكم الرماد أوار نار مشكل كازمانص في السنغال، وأخيرا، تحولت دولة مالي على أرض الواقع إلى دولتين، حيث، وللأسف الشديد، بات تحكيم السلاح أمرا لا مفر منه لسكب المزيد من دماء هذا الشعب الشقيق وإعادته إلى عهد المغارات.

كما لم تسلم دولة في منطقة الساحل من بروز صراعات سياسية أو دموية أو دينية أو اجتماعية أو عرقية، أو أي من عناوين الموت الوطني البطيء.

إن بلدا كموريتانيا إذ يوجد في حديقة براكين النار، لا بد أن يتخذ كافة الإجراءات الاحترازية للحيلولة دون حرق وردته الزاهية، وإيقاف شلال شذاه الفواح.. ومن أول هذه الإجراءات هو سمو نخبته خلال الظروف الاستثنائية، أو الحوادث العارضة من حين لآخر، عن المهاترات التي تحاول أن تكون أساسا بديلا عن ما هو سليم ووطني وشرعي ومنطقي وأخلاقي.
ولن أزيد على ذلك في هذا المجال، وأعتقد أن الدرس سمع، وأن ذوي الألباب تكفيهم الإشارة.

اليوم لن أتحدث عن عودة الرئيس عزيز، أعزه الله وعافاه، ولا عن إنجازاته، فرجل القرآن، رجل مصحف شنقيط وطارد إسرائيل، وفاطر آلاف المشاريع، لا يحتاج لتزكية في هذا الميدان، فلا يوجد لسان أفصح من الكهرباء والماء والغذاء والتوظيف والطرق والاستثمارات، والحرية، والعدل، والعفو عند المقدرة، والمكانة الدولية للبلاد.

إن شعبنا يهجي بكل فصاحة مفردات قاموس التنمية الذي وضعه الرئيس محمد ولد عبد العزيز من أجل البلد شعبا وأرضا، روحا و إعمارا.. والشعب رأى وليس كمن سمع.

أريد هنا توجيه رسالة للرجال الذين صدقوا ما عاهدوا عليه الله، وما بدلوا تبديلا..
نعم لقد أصيبت بلادنا موريتانيا بنكبة كبيرة، و هزة عنيفة، ففي 13 أكتوبر 2012، أطلق وابل من الرصاص على رئيس الجمهورية في حادث غير مسبوق هز الأمة الموريتانية وأثار العالم، وفتح المخاوف من إعادة البلاد إلى الصفر، أو حتى ما تحت الصفر، فثقافة الانتهازية البلاطية معروفة في كل بلدان العالم المتخلف وعبر كل تاريخه وحضارته، وليست ميزة محلية وطنية.
نعم لقد سلم الرئيس جسده لمشرط الأطباء في الداخل والخارج، ومر بظروف المرض الصعبة في الغربة، وكان الكثيرون يخشون أو يتنبأون – ويحدث ذلك في أي بلد تعرض لهذه الحادثة أو شبيهاتها- بأن لا وفاء في الكراسي العالية، ولا أخلاق عندما يتعلق الأمر بالسياسة.

لكن داخليا، ربما فات الكثيرين أن الرجال معادن، وأن المعادن ذاتها أنواع، وأن الرئيس اختار البطانة الصالحة أو أغلبها وأساسها، ليس من أجل شخصه، بل من أجل وطنه، وتوفير الاستقرار له باعتباره شرطا لأي مشروع تنموي جاد وعابر للأساليب الدونية والزبونية التي كسرت عظم الوطن وفتت لحمه، وأضاعت روحه، وجعلته مشاعا بين الأدعياء وشياطين الفساد، وعشاق الكراسي.

اليوم، وبكل صراحة، أخاطب قائد أركان الجيش الموريتاني اللواء الركن محمد ولد الغزواني، وأقول له بصوت عال “إن محمدا قبل أن ينزل بـ”المدينة المنورة”، كان على بصيرة بنبل الأنصار ووفائهم بالعهود وصدق إيمانهم بالله، ولم يكن يهمه لغط أهل مكة، وما زينته الشياطين لقريش من حبك للروايات والخطط”. وما كان أعلم “العباس” بصدق عبد الله بن عمرو بن حرام في بيعة العقبة الثانية.

نعم، أيها الأنصاري الأصيل، أيها القوي الأمين، لقد كنت وفيا لربك و لوطنك ثم لمن يستحق الوفاء. لقد صنت بيضة الوطن و حافظت على الأمانة و أديتها إلى أهلها امتثالا للأمر الرباني.
لقد كان أداء الجيش الموريتاني وقوات الأمن في هذه المحنة الوطنية، وهذا الظرف الحساس، قمة في المهنية والاحترافية، والوفاء لقيم الجمهورية، وهو أمر ما كنت أشك فيه يوما، نظرا لمعرفتي بنبل وشهامة وذكاء اللواء الركن محمد ولد الغزواني، الذي يعود له هو ورفاقه بعد الله عز وجل، الفضل في استمرار الهدوء والاستقرار والطمأنينة، وفي تجنب أي ردات سلبية لحادث خطير من هذا النوع.

فله، لهذا القوي الأمين ولرفاقه الأوفياء أقول كل إعجابي و فائق تقديري و أزف أحر التهاني، أهنئهم بتقدير الموريتانيين لهم.

لقد أدت محنة مرض الرئيس وغيابه إلى إطلاق موجة غير مسبوقة من الشائعات والأقاويل، إن لم نقل الأراجيف، حاولت من خلالها أطراف معروفة إيهام الجميع بأن النظام ما هو إلا أجنحة تخوض معركة مخلبية من أجل تحصيل أكبر كمية ممكنة من جثة الفريسة.. الرئيس انتهى صحيا.. عاجز.. لن يعود.. وإذا عاد.. وكل العبارات و التصريحات و التأويلات التي تفتح عمل الشيطان، بل و”تصوب” طريقه وأسلوبه الجهنمي.. انقلاب.. صراع قبلي.. وسط عائلي..

تهريب المال العام.. إلى غيرها من حكايات هذا الخريف الغبيّ. لقد قلت في مقال سابق أن رجائي و أملي أن يكون حادث الثالث عشر من أكتوبر 2012 نقمة في طيها نعم كثيرة. و كان الأمر كذلك. فمن تلك النعم أنه تأتى لرئيس الجمهورية و هو يتابع عن كثب من على سريره الاستشفائي ما يدور في الوطن، فقد تأتى له أن يتبين الذين صدقوا ويعلم الكاذبين.

لم يسلم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية من كل همزة لمزة و من شتى أنواع الاتهامات الكاذبة و الشائعات المغرضة. لكن للأمانة، وأعتقد أنني فوق سن و شبهة التملق – فقد أغناني الله بما لدي من مال وعلم و عفة- أشهد كم أن رفاقي في قيادة الحزب الحاكم كانوا أوفياء للرئيس محمد ولد عبد العزيز، تحت القيادة الهادئة و المتبصرة للرئيس محمد محمود ولد محمد الأمين، محاطا بطاقمه الفعال. و هنا يجب التنويه بما يقوم به النائب الأول للرئيس الأخ محمد يحي ولد حرمة من تأطير لسائر الأنشطة الحزبية المكثفة في هذه الظرفية الاستثنائية، هو و غيره ممن لا يتسع المجال لتعدادهم. وأذكر أن الأخ الرئيس محمد محمود كان يقول لي كل يوم “لقد تحولوا من رجال سياسة إلى رجال شائعات، دعهم في غيهم، فسوف يعود الرئيس بحول الله عودة لا تسرهم.. أكبر شعبية وأكثر ثقة في نظامه”.. “إنهم لا يحبون ذوي الأمانة، وإلا لما كانوا يحنون إلى عهد الفساد ودولة المال المشاع”… “الحزب يقوم بواجبه دون دعاية و لا ضجيج، ذر المرجفين و ما يفترون”.

الآن أنهت منسقية أحزاب المعارضة هدنتها، وأطلقت لسان شياطين قولها، وفكت أسر أنشطتها من عقالها.. وعادت لاستباحة الأعراض والأغراض..

ولأننا في أعياد فرح، ولأن الموقف الأخلاقي للمنسقية في الأيام الأولى للحادث، يشفع لها عندي فترة ما، لا أريد تعكير الخطاب السياسي.. فقط أريد طرح أسئلة على زعماء المنسقية.
ما هو الفرق بين معلوماتكم ومعلومات العامة؟.. ألم تثبت الأحداث أنكم تعتمدون الشائعات مصدرا موثوقا، وتبنون عليه خطابكم وخطواتكم.. هذا إن كنتم برءاء من مصنع الشائعات الذي ازدهر إنتاجه خلال الفترة الماضية.. وكم فيه من رائحتكم وألوانكم وخربشتكم، وأساليب تسكعكم.. وحتى عدم نباهتكم.

لماذا كاد الجنون يسيطر عليكم عندما ظهر الرئيس بصحة جيدة، يمشي، يتحدث.. و ظهر أنه كان يحكم البلاد و يوجه الحكومة يوميا.. أكنتم تريدون دفنه حيا، ولما لم يأذن الله، وليست لديكم القدرة، رغم ما في أيديكم من حث تراب، بل أين تلك الإنسانية والحرص على الحقيقة والعدل.. والحديث عن مصير الرئيس..؟! .. أكان كل ذلك كلاما مفصولا عن النية والأمنية؟
أليست مطالبتكم بما تسمونه سد الفراغ الدستوري، هي دعوة صريحة للانقلاب العسكري، في غياب الرئيس.. ما الذي يجعلكم تستعجلون اتضاح الأمور على حقيقتها، فلا توجد حنفية واحدة في البلاد تعطلت في هذه الفترة، والمشاريع تسير كما كانت، وكذلك كل مصالح الدولة في الداخل والخارج.. ألم يكن أولى أن تنتظروا عودة الرئيس بأي مطالب تمس هرم الدولة، ففي غياب الرئيس ماذا يعني سد الفراغ الدستوري سوى تحريك الدبابات والبيان رقم واحد..

أي، ذلك التغيير الذي يسهل فيه شراء الصمت والضمائر، وليرحم الله التغيير الديمقراطي.

الآن، بعد أن ذهب كل الزبد الذي ألقيتموه.. هل يمكنكم انتظار الانتخابات التي تلوح في الأفق القريب: رئاسية، بلدية، نيابية.. هل يمكنكم المراهنة على صناديق الاقتراع، أم أن أفراسكم السياسية لا ترتع في غير ربيع الشائعات، وجنون الأماني والأوهام، والتشويش، والادعاء حتى على القدر.

بكلمة واحدة.. إن “أزهار الشر لا تنبت الربيع إطلاقا”، وإن “ظلال المجد لا تتحول أبدا إلى قيظ حالك، وإنما تبقى وارفة مباركة” بإذن الله. و اليمين الغموس تذر الدِّيار بَلاقع.

شكرا جزيلا للقدر.. شكرا للقوي الأمين.. شكرا لكل المواطنين الطيبين الأوفياء.. شكرا لموريتانيا الجديدة.

السلام على الأوفياء.

الدكتور/ الشيخ المختار ولد حرمة ولد بابانا

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى