الطريقة التيجانية وممارسة السياسة نقيضان لا يجتمعان !!

نما إلى مسامعي قبل أيام قليلة خبر يفيد بأن مجموعة تتحدث باسم الطريقة التيجانية قد انتسبت لحزب سياسي وأن هذا الحدث يعكس تقاربا بين الطريقة التيجانية وبعض الأطراف السياسية ؟!

وللحقيقة والتاريخ أقول إن التيجانية لا علاقة لها بالسياسة بأي شكل من الأشكال، فالأولى هي منهج رباني وتربية للروح والنفس على طاعة الله تعالى والانشغال به وبعبادته والتفرغ له في صفاء ونقاء روحيين لا يمكن لصاحبهما أن يفكر في أي أمر من أمور الدنيا الفانية، أحرى أن ينشغل عن ربه بعرض زائل، أما الثانية فهي فن الكذب كما عرفها المتخصصون، لذلك فهي منهج وسلوك يناقضان كليا هذه الطريقة الربانية التي يميزها صفاء المؤمن الصادق وابتعاده عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو ذوبانه في تأمل خلق الله ومكنونات الكون والاستعداد ليوم الحساب..

إن الطريقة التيجانية هي طريقة محبة خالصة لكل البشر وبصفة خاصة لكل المسلمين، وهي بذلك لا تقرب إلا من قربه التقوى والطاعة والانقياد لأوامر المولى عز وجل وتجنب نواهيه، وهي بذلك طريقة محبة لا تفرق بين أحد من المسلمين، لكن مريديها ليسوا من اهل السياسة وإن كانوا يهتمون بأمور المسلمين ويشغلهم ما يشغل أمة الإسلام في بلدهم وفي سائر بلدان العالم الإسلامي، فهم لا يتحزبون ولا يتمترسون مع هذا ضد ذاك، لأنهم باختصار وكما اسلفت منشغلون بالله ومتفرغون لعبادته والتأمل في كونه ومكنوناته. وفي أوج ممارستهم للسياسة يقررون الأصلح للأمة ليصوتوا له أملا في أن يجلب المنافع للمسلمين ويدفع الضرر عنهم.

أما أن يدعي بعض الأشخاص على التيجانية انتسابها لحزب من الأحزاب السياسية فذلك هو الباطل بعينه لأنه ببساطة شديدة يتنافى مع التربية الروحية والمنهج الرباني الذي انساق إليه مريدو التيجانية على بصيرة منهم حبا في الله وابتعادا عن الرجس والانشغال بأمور الدنيا عن الله سبحانه وتعالى.

فمن وصايا الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه للإخوان في الطريقة ما يتنافى مع الانشغال بغير الله تعالى:

(…) وَ أُوصِيكُم بِالبُعْدِ عَمَّا دَأَبَ عَلَيْهِ النَّاسُ اليَوْمَ وَ أَكَبُّوا عَلَيْهِ، وَ عَمَّ جَمِيعَ آفَاقِ الأَرْضِ إِلَّا النَّزْرَ القَلِيلَ مِن الخَلْقِ وَهُوَ : المُعَامَلَةُ بِالغِشَّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ المُبَايِعَاتِ وَ المُعَامَلَاتِ، (…) .

وَأُوصِيكُمْ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى أَوْقَاتٍ تَتَوَجَّهُونَ فِيهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالتَّوَجُّهِ الصَّحِيحِ، إِمَّا بِذِكْرٍ أَوْ تِلَاوَةِ قُرْآنٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا، وَ إِمَّا بِالصَّلاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ، (…) ، فَمَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا فَازَ بِرِضَى الله فِي الدَّارِ الآخِرَةِ ، وَ فِي الدُّنْيَا تُسَهَّلُ عَلَيْهِ مَطَالِبُهُ وَ تُيَسَّرُ لَهُ أُمُورُ مَعَاشِهِ ، (…) .

وَمَتَى وَقَعَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ هَدْمًا لِدِينِهِ، أَوْ مَحْقًا لِحَسَنَاتِهِ أَوْ طَرْدًا لَهُ عَنْ بَابِ رَبِّهِ ، أَوْ مَا يُوجِبُ الوُقُوعَ فِي المَهَالِكِ الشَّدِيدَةِ ، صَارَتْ هِيَ شَافِعَةً لَهُ بَيْنَ يَدَي الله تَعَالَى، وَ خَرَجَ لَهُ مِن عِنَايَةِ الله بِسَبَبِهَا مَا يَقِيهِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِك كُلِّهِ، وَ يُغْفَرُ لَهُ (…) . ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عِمَارَةُ الأَوْقَاتِ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ إِنْ دَامَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَ سَلَّم عَشرَة أَلَافِ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَر، يَكْفِيهِ مَعَهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مائَة مَرَّةٍ

وَ إِنْ عَمِلَ فِي كُلَّ وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ : سُبْحَانَ اللهِ ، وَ الحَمْدُ للهِ وَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَ اللهُ أَكْبَرُ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ مِلْءَ مَا عَلِم ، وَ عَدَد مَا عَلِم وَ زِنَة مَا عَلِم ” عَشْر مَرَّاتٍ فِي كُلَّ وَقْتٍ ، كَانَتْ كُلُّ مَرَّةٍ مِنْهَا أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِمَّنْ يَسْتَغْرِقُ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ وَ لَا يَفْترُ ، فَحَافِظُوا عَلَى هَذَا مَا اسْتَطَعْتُم فَإِنَّ المُحَافِظَ عَلَى هَذَا تَنَالُهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى عِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ . (…..)

وَ أُوصِيكُم وَ أُؤَكِّدُ عَلَيْكُم بِالتَبَاعِدِ عَن المُجَاهَرَةِ لِلنَّاسِ بِسُوءِ القَوْلِ، بَل تُعَامِلُونَهُم بِمَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِن أَحْسَنِ القَوْلِ، وَ بِمَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، قَال سُبْحَانَه وَ تَعَالَى: ( لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِم ) وَ قَال تَعَالَى: ( وَإِذ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانا وَذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا )

وَ قَالَ صَلَّى الله عَلَيْه وَ سَلَّم فِي آخِرِ حَدِيثٍ:” وَخَالِق النَّاسَ بِخُلقٍ حَسَن ” وَ قَال صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم ” رَأْسُ العَقْلِ بَعْدَ الإِيْمَانِ التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ “. انتهى الاستشهاد.

وإذا كانت السياسة هي فن الكذب وخداع الناس والغش والانشغال بأمور الدنيا عن التفرغ للعبادة والتطاول على الخصوم فكيف لأحد من أتباع الطريقة التيجانية أن يكون من أهل السياسة إلا إذا كان لا يتبع وصايا شيخه بل ويناقضها بالقول والعمل؟

وقد قال شيخنا ووسيلتنا إلى الله في إرشاد أتباعه وردهم إلى الله تبارك وتعالى بامتثال الاوامر واجتناب النواهي، في الشريعة المطهرة والتفرغ للعبادة والإعراض عما سوى الله: “وإن قلتم إن مريدي وعاء ممتلئ من أسرار الحضرات الثلاثة فنعم، ولكن أين مريدي منكم؟ فهو أعوز وجودا من الكبريت الأحمر عندكم إن كان الأمر كما وصفتم.

وأوشك أن أرفع الإذن عن كل مقدم تقتحم بحضرته المحرمات ولم يقم بما اوجب الله عليه، فإن عجز فليهاجر إلى الله ورسوله وإلينا، فو الله ما وقف سير هؤلاء إلا لطول عهدهم بنا والتأنس بالحوادث، فمن حضر معنا في كثير من الأوقات ينسى طعم الشهوات، فإن هنا شبانا صغارا قد نسوا طعم الشهوات حتى أن منهم من ينسى زوجته ولا يأتها إلا بالإّذن والإكراه، هكذا تلامذتي والغير لا.

ولا بد لكم من الحضور معنا في كثير من الأوقات، حتى تأخذوا عنا آذاب السلوك كما أخذتم حقائق الجذب، هكذا قال شيخنا ووسيلتنا إلى الله الشيخ ابراهيم.

وهكذا فإنني هنا في هذا المقام أدعو الله تعالى للجميع بالتوفيق والسداد لما فيه خير الدنيا والآخرة والهداية إلى الله تعالى، بما في ذلك المنتسبون للاحزاب السياسية،

وأؤكد دعوتي لمنتسبي الطريقة التيجانية للمواظبة على العبادات والطاعات والتفرغ لله تعالى والابتعاد عن الشبهات، سائلا المولى عز وجل أن يؤلف بين القلوب وأن تعم رحمته وعافيته بلادنا وسائر بلاد المسلمين.

مولاي ابراهيم ولد الناه

من مقدمي الطريقة التيجانية