هل أنطق الحق “كريستن لاغارد”؟

أدرك – وأنا الغبي الذي لا يفهم في الاقتصاد – أن الوضع الاقتصادي للبلد(موريتانيا) متدهور جدا جدا؛ وينعكس ذلك بشكل بين على معاناة المواطنين؛ وخاصة الشرائح الأكثر فقرا؛ في دولة تمتلك مقدرات هائلة تتشكل من كل ماهو غالي ونفيس(الذهب؛ الحديد؛ النحاس؛ النفط؛ السمك..ألخ).

مع ذلك لم أكن لأشك يوما في التقارير المالية الدولية التي لا تفتأ تطالعنا بها مؤسسات دولية متحكمة؛ لتقنعنا أننا بخير – ماليا على الأقل – مع شهادات امتياز؛ للدولة المصنفة ضمن الدول النامية.

لم أكن لأشك في تلك التقارير التي غالبا ما تصك سمعي؛ فهي – على الأقل – صادرة عن جهات مالية دولية عريقة؛ معروفة بكفاءتها وقدرتها في مجال اختصاصها؛ وهي – زيادة على ذلك – لا تخافنا؛ ولم أكن أتوقع أن تطمع فينا يوما؛ إذا ما نزلنا إلى التقديرات “الحضيضية” (إن صح التعبير).

منذ فترة اهتزت قناعتي؛ ولم أعد أقبل بهذه التقارير التي لم تأتي يوما إلا عكسا لكل توقعاتي – كمراقب لا يفهم من الاقتصاد إلا ما انعكس على حياة الناس – .

وأزيدكم؛ أن شيخا كبيرا مجربا أسرني يوما نقلا عن مهندس كبير – يوصف بأنه أول وأكبر مهندس في الوطن – بأن شخصية مالية كبيرة زارت البلد في فترة التسعينات لتعد تقارير دولية عن هيئات وطنية مولتها المؤسسة التي تتبع لها هذه الشخصية؛ وأن الأخيرة أخبرت المهندس على الفور بأن المؤسسة النقدية التي بعثتها إلى موريتانيا لا تريد استرجاع أموالها البتة؛ وهي أيضا تفضل أن تبقى تطالب موريتانيا بمبالغ مهما كان تعدادها؛ وأنها أيضا؛ ما تعتمده من طلب تقارير مالية حول وضع المؤسسات التي ترعاها وتمولها؛ هو أمر شكلي؛ لذلك “عليك أن توفر وقتك؛ وتنزلني أحسن منزل؛ وتملأ جيبي بما بحوزتك من مال؛ وسلمني التقرير الذي تريده بالشكل الذي يرضيك وعلى الدنيا السلام”؛ أو هكذا أخبرت السيدة المالية السامية المهندس الموريتاني الكبير الذي – للأمانة – رفض الانصياع لها – حينها – وكانت الكارثة.

بعد سماعي هذه القصة اهتزت قناعتي بتقارير الممولين الدوليين؛ وما شاكلهم من مؤسسات نقدية استعمارية لا خير فيها.

هذه القصة تذكرتها اليوم وأنا أتابع تصريحات المديرة العامة لصندوق النقد الدولي السيدة كريستن لاغارد – التي تزور موريتانيا حاليا – أمام محافظ البنك المركزي المورتاني سيد أحمد ولد الرايس؛ و التي ثمنت فيها “الجهود الكبيرة التي قامت بها الحكومة الموريتانية لتطوير وانتهاج طريقة شفافة ومنصفة مكنت من نمو اقتصادي متزايد خاصة على مستوى القطاع الخصوصي في إطار التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها المنطقة”.

بل من المخجل أن تستطيع هذه الـ”لاغارد” أن تقول في وجه رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز أن هناك “تقدما كبيرا يحققه الاقتصاد الوطني، ومن ذلك الوضع المالي الجيد للبلد ونتائج النمو الاقتصادي المتميزة التي سجلها؛ والتي يلاحظ انعكاسها ايجابيا على مستوى البنى التحتية والبرامج الموجهة لصالح الفقراء وخدمات الصحة والتعليم”.

ترى؛ هل اقتنعتم بما تفوهت به هذه الـ”لاغارد”؛ وأنتم ترون طاحونة الفقر تسحق مواطني رئيس الفقراء في الأحياء الهشة في العاصمة نواكشوط وفي الأرياف؟.