جهود علماء بلاد شنقيط حول الموطإ والصحيحين

بسم الله الرحمن الرحيم

تمت في مؤسسة دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا بالرباط بالمملكة المغربية مناقشة أطروحة الباحث الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ بتار بتاريخ 08/01/2013 والتي هي بعنوان: جهود علماء بلاد شنقيط حول الموطإ والصحيحين –دراسة وصفية تحليلية-.

وقد نوهت بها اللجنة مع منحها درجة: مشرف جدا

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

وقد تكونت لجنة المناقشة من الأساتذة:

الدكتور محمد الراوندي رئيسا ومشرفا، والدكتور إدريس بن الضاوية، والدكتور عبد المجيد محيب مناقشين.

وقد تقدم الباحث بتقرير جاء فيه:

بما أن اختيار البحث لا يأتي غالبا بشكل تلقائي، وإنما انطلاقا من التكوين والتراكم المعرفي، ونتيجة للتفكير واستشارة المختصين، فإن هذا الموضوع لم يخرج عن هذه القاعدة؛ إذ يعود تعلقي به إلى أيام دراستي المحظرية حيث كان النقاش محتدما حول مدى تعلق المغاربة عموما والشناقطة خصوصا بالفروع على حساب الأصول، والتساؤلات التي كانت مثارة من قبيل: هل كان الشناقطة يدرسون ويدرسون كتب الحديث كما يدرسون ويدرسون كتب الفقه واللغة…

مثلا؟ وإذا كان الجواب بلا فلماذا؟ وإذا كان بنعم فلماذا لا نجد لهم من المؤلفات في هذا المجال ما نجده لهم في المجالات الأخرى؟ وبعبارة أخرى ما هو حظ أمهات كتب السنة وبالأخص الموطأ والصحيحين من العناية التي نالتها مختلف فروع المعرفة الإسلامية من القراءة والإقراء والتأليف؟

وطلب الإجابة على هذه الأسئلة وما في معناها هو ما جعلني أختار دون تردد التسجيل في شعبة علوم القرآن والحديث من هذه الدار العامرة أي دار الحديث الحسنية أدام الله عطاءها، رغم تخييري بين هذه الشعبة وشعبة الفقه والأصول، كما زاد تعلقي بذلك أثناء الدراسات العليا مما دفعني إلى اختيار هذه الموضوع لتسجيل دبلوم الدراسات العليا قبل تحويله إلى الدكتوراه، وذلك طبعا بالإضافة إلى الأسباب الكثيرة الأخرى المفصل بعضها في الأطروحة والتي لا يتسع المقام لتفصيلها هنا، ومنها باختصار:

– تميز الثقافة الشنقيطية بكونها توصف بأنها ثقافة شفوية وما يعنيه ذلك من الحاجة إلى الكتابة في مختلف جوانبها وبالأخص في هذا الجانب ذي الأهمية الخاصة.

– مكانة الحديث في بلاد شنقيط: حيث لم يكن علم الحديث في بلاد شنقيط يحتل المكانة المناسبة في سلم أولويات الدراسة المحظرية الشنقيطية، كما نبه إليه الكثير من الشناقطة

– اهتمامي الخاص بعلم الحديث عموما والكتب الثلاثة خصوصا: مما جعلني أتجه إلى محاولة الاستفادة منها من خلال التعايش معها فترة من الزمن.

– رغبتي في الإسهام في التعريف بالجهود التي بذلها علماء المنطقة في علم الحديث خدمة للثقافة الشنقيطية خصوصا والمغاربية عموما… إذ أني أرى أن أبناء كل بيئة ثقافية عليهم أن يتحملوا مسؤولية التعريف بجهود علمائها، وإن لم يمكن ذلك إلا من خلال هذا النوع من الأعمال فشيء خير من لا شيء… وبالأخص إذا كان ذلك الشيء عبارة عن عمل يؤطره أساتذة يتمتعون بالجدية والخبرة المطلوبتين لإنجاز الأبحاث العلمية.

– أهمية الموضوع التي تتجلى في أهمية الكتب الثلاثة وهي غير محتاجة إلى بيان.

– كون هذا الموضوع لم يلق ما يستحق من الدراسة والبحث؛ إذ أنه –حسب علمي- لم يحظ بأي جهد علمي خاص، وأهم ما حظي به هو دخوله في عموم الدراسة التي أعدها الباحث محمد الحافظ بن المجتبى في كلية الآداب بالرباط سنة 1991 تحت عنوان: الحديث الشريف علومه وعلماؤه في بلاد شنقيط، فهذه الدراسة وإن حازت السبق واستوجبت الثناء لذلك إلا أنها –في الشكل الذي نوقشت به- لم تخصص لموضوع الحديث الشريف في بلاد شنقيط إلا الباب الرابع وهو عبارة عن سرد لبعض العناوين مع نماذج من بعض الكتب، وبالنظر إلى طبيعتها الأكاديمية (رسالة دبلوم) وما اتصفت به من عموم يمكن اعتبارها استفتاحا يغري بالتخصص في الموضوع..

ثم عالج الموضوع من خلال تقسيمه إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة وفهارس:

فالتمهيد بعنوان: مفهوم بلاد شنقيط جغرافيا واجتماعيا، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: مفهوم بلاد شنقيط جغرافيا، تكلمت فيه عن أهم التسميات التي عرفت بها البلاد، وعن حدودها الجغرافية التي هي مجال للبحث.

المبحث الثاني: مفهوم بلاد شنقيط اجتماعيا، تحدثت فيه عن المجتمع الشنقيطي من النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مركزا على أهم الأحداث التي كان لها أكبر تأثير في التاريخ الشنقيطي، وهي دخول الإسلام وظهور حركة المرابطين والهجرات الحسانية وحركة ناصر الدين ودخول الاستعمار.

وقد حاولت في هذا التمهيد أن لا أكون مكررا لما درج الباحثون في التراث الشنقيطي قبلي على تكراره، بحيث يكون ما كتبته يمثل في أقل تقدير قراءة جديدة بغض النظر عن تقدير قيمتها العلمية، مع الاختصار على ما رأيت أن الحاجة بدت ماسة إلى تناوله.

والباب الأول: بعنوان دخول الموطإ والصحيحين إلى البلاد والمكانة التي احتلتها الكتب الثلاثة في الثقافة الشنقيطية:

حاولت في هذا الباب أن أتلمس تاريخ دخول هذه الكتب إلـى بلاد شنقيط، والطرق التي دخلت منها، ومدى المكانة التي حظيت بها في الحياة الثقافية الشنقيطية من حيث دراستها ومظاهر عناية الشناقطة بها، وتأثيرها في الإنتاج الأدبي والعلمي، وقسمته إلى فصلين:

الفصل الأول: دخول الموطإ والصحيحين إلى البلاد

الفصل الثاني: المكانة التي احتلتها في الثقافة الشنقيطية:

والذي بدا لي أن الأمهات الثلاث وعلم الحديث عموما وإن كان قد احتل مكانة هامة في المناهج الدراسية المحظرية تختلف طبيعتها، إلا أن دراسته كانت أقل من دراسة العلوم الأخرى، وليس ذلك راجعا إلى قصور علمي وفكري لدى الشناقطة، وإنما هو راجع على الأرجح إلى اعتقاد قديم مترسخ لديهم مؤداه أن باب الاجتهاد قد أغلق منذ زمن بعيد وخاصة في هذه البلاد، ولا محل لاستنباط الأحكام من الحديث، وإنما ينبغي أن يقرأ مثلا صحيح البخاري أو صحيح مسلم للتبرك والاستسقاء والاستشفاء..

إذ أن المتتبع للحياة الثقافية الشنقيطية يلاحظ أوجها من عناية الشناقطة بعلم الحديث عموما وأمهاته الثلاثة: الموطإ والصحيحين خصوصا.

فسيجد من ناحية بعض النصوص والمواقف الدالة على أن هذا العلم احتل مكانته اللائقة بين العلوم، في حين يجد من جهة أخرى نصوصا ومواقف أخرى تدل على العكس، لكنه لن يعدم طريقة للتوفيق بين الاتجاهين وخصوصا عندما يكون مستحضرا أن مسألة النسبية تدخل في كثير من الظواهر الأدبية.

وعندما يلجأ إلى الإنتاج الأدبي بنوعيه النثري والشعري الذي هو “ديوان الشناقطة” لمعرفة مدى تأثره بالعلم المذكور يجد ذلك لكن بشكل نسبي أيضا.

أما الباب الثاني فعنونته بــــ الموطأ والصحيحان في الدراسات الشنقيطية رواية:

إن من أول ما يلاحظه الباحث في الثقافة الشنقيطية أنها “ثقافة شفوية”، أو “ثقافة مروية” بعبارة أخرى، كما يلاحظ بخصوص علم الحديث أن عناية الشناقطة به من حيث الرواية فاقت عنايتهم به من حيث الدراية؛ إذ أن الأسباب التي أدت بهم إلى عدم التعمق في دراسة الحديث تنصب أساسا على الجانب الثاني منه دون الأول؛ لأن الميل إلى التقليد دون الاجتهاد لا يتنافى مع الاهتمام بحفظ الحديث وروايته للتبرك ونحوه… وإنما يؤدي إلى نقص في الجوانب المتعلقة بنقد الأسانيد واستخراج الأحكام الشرعية من الأحاديث والاستفادة منها في الربط بين الشرع والواقع…

وعليه فقد تعددت أوجه عناية الشناقطة بالموطإ والصحيحين من حيث الرواية، ويظهر ذلك جليا فيما خلفوه من إجازات وأسانيد متنوعة، وما تميزوا به من كثرة من يوصفون بالمحدثين والحفاظ، وما تركوه من نسخ متعددة.

لكن ظاهرة “سرد الحديث في المجالس” المتعلقة أساسا بالصحيحين تبقى من أهم أوجه هذه العناية وأكثرها انتشارا…
هذه النقاط المتعددة المتفرعة عن عنوان هذا الباب حاولنا أن ندمجها في فصلين:

الفصل الأول: الإجازات الشنقيطية في الموطإ والصحيحين

اهتـم الشناقطـة اهتمامـا كبيرا بالإجازة بأنواعها المختلفة، لكن عنايتهم بالإجازة الحديثيـة تحتاج إلى البحث فيها تبعا لعنايتهم بعلم الحديث عموما؛ لذلك حاولت التعرف علـى أهميـة الإجازة الحديثية عند الشناقطة من خلال إجازاتهم في الموطإ والصحيحين، ثم تناولت أهم الإجازات المتعلقة بالكتب الثلاثة التي اطلعت عليها أثناء بحثي في هذا المجال مركزا على نقاط أهمها:

– جزء الشناقطة من الإجازة من نص المخطوط كما هو.

– ترجمة الأعلام الشناقطة الواردين في هذا الجزء حسب الإمكان.

– إبداء ملاحظات وتحليلات حول بعض الإجازات.

فجاء هذا الفصل في أربعة مباحث هي:

المبحث الأول: الإجازة وأهميتها عند الشناقطة من خلال إجازاتهم في الموطإ والصحيحين.

المبحث الثاني: الإجازات في الموطإ.

المبحث الثالث: الإجازات في صحيح البخاري.

المبحث الرابع: الإجازات في صحيح مسلم.

أما الفصل الثاني: فقد عنونته بـ”السرد والحفظ والنسخ”

فقـد وجدت أن مختلف المدن التاريخية الشنقيطية شهدت اهتماما كبيرا بسرد كتب الحديث في المجالس العلمية والتعبدية وخاصة صحيح البخاري.

ثم إن ما عرف عن الشناقطة من تميز في قوة الحافظة يتطلب من الباحث في التراث الحديثي التوقف عنده لمعرفة مدى الحظ الذي حظيت به أمهات كتب الحديث منه.

وبما أن “الحفظ” لا يمكن الاعتماد عليه وحده أو على الأقل بالنسبة لأمهات كتب الحديث التي هي مصدر أساس للتشريع الإسلامي، لذلك لا بد من استخدام القلم وبقية وسائل الكتابة، ومن هنا كان البحث عن مدى العناية التي أولاها الشناقطة للكتب الثلاثة: الموطأ والصحيحين من حيث الكتابة والنسخ.

وانطلاقا من ذلك فقد انتظم لي هذا الفصل في ثلاثة مباحث هي:

المبحث الأول: السرد في المجالس

المبحث الثاني: الحفظ والحفاظ

المبحث الثالث: النسخ والنساخ

والباب الثالث جاء تعت عنوان: الموطأ والصحيحان في الدراسات الشنقيطية دراية
لا يقل “علم الحديث دراية” عن قسيمه “علم الحديث رواية” من حيث الأهمية وإن كان يأتي بعده في الترتيب أو الورود؛ إذ أن مسألة رواية النص سابقة على أي تعامل آخر معه، كما أن إسهام علماء بلاد شنقيط وجهودهم في هذا العلم لا تقل أهمية فيما يبدو عن إسهامهم في قسيمه.

فقد أسهموا بجهود معتبرة شملت مختلف جوانب “الدراية” وخصوصا ما يتعلق بالأمهات الثلاث: الموطإ والصحيحين.
حيث شرحوها شروحا مطولة، وعلقوا عليها تعليقات مختصرة، وزينوها بالحواشي، واستخدموا ملكاتهم الشعرية المتميزة في محاولة تقريب اصطلاحاتها ومناهجها، كما تناولوها بالاختصار استقلالا أو شرحا؛ تمشيا مع الخصائص الثقافية لبيئهتم، بالإضافة إلى خدمة الجمع ذات الأهمية الخاصة.

هذه الجهود المتمثلة في: الشرح والتعليق والتحشية والنظم والاختصار والجمع، اقتضت مني تقسيم هذا الباب إلى خمسة فصول:

الفصل الأول: الشرح

تكلمت فيه عن الشروح الشنقيطية للموطأ كشرح محمد حبيب الله بن مايابى المسمى “فتح القدير المالك”، وشروح صحيح البخاري سواء كانت مفقودة كشرح الشيخ محمد اليدالي، أو موجودة كـ”النهرالجاري في شرح البخاري” لمحمد بن محمدسالم المجلسي و”نور الحق الصبيح” لمحمد يحيى الولاتي و”كوثر المعاني الدراري” لمحمد الخضر بن مايابى، ثم تحدثت عما وجدت له ذكرا من شروح صحيح مسلم، فانتظم هذا الفصل في ثلاثة مباحث، هي:

المبحث الأول: شروح الموطا

المبحث الثاني: شروح صحيح البخاري

المبحث الثالث: شروح مسلم

أما الفصل الثاني وعنوانه: التعليق والتحشية، فقد قسمته إلى مبحثين فقط، تكلمت في الأول على تعليقي عبد الله بن الحاج حماه الله الغلاوي والطالب ببكر المحجوبي، وفي الثاني على حاشية محمد بابا بن محمد الامين التنبكتي المترجم في فتح الشكور.

والفصل الثالث: خصصته للـنظم، وجاء أيضا في مبحثين، جرى الحديث في الأول منهما على نظم “دليل السالك إلى موطأ الإمام مالك”، وفي الثاني عن “غرة الصباح” في اصطلاح البخاري.

والفصل الرابع وعنوانه :الاختصار، تكلمت فيه عن اختصار الموطإ من خلال كتاب “موطئ الموطإ”، وعن اختصار صحيح البخاري من خلال “فتوح الباري في اختصار البخاري” إضافة إلى عناوين أخرى، ثم تناولت شروح مختصر ابن أبي جمرة لصحيح البخاري حيث اعتبرتها تابعة لخدمة الاختصار وإن كانت أيضا تدخل في خدمة الشرح إلا أنها بهذا ألصق، وبدأت بتعريف لمختصر ابن أبي جمرة ومكانته عند الشناقطة، ثم تحدثت عن بعض الشروح التي اطلعت عليها أو على ذكرها وهي شرح المحجوبي وشرح الولاتي المسمى “سلم الدراية” وشرح أحمذُ بن زياد الديماني.

فانتظم هذا الفصل في ثلاثة مباحث هي:

المبحث الأول: اختصار الموطأ

المبحث الثاني: اختصار صحيح البخاري

المبحث الثالث: شروح مختصر ابن أبي جمرة لصحيح البخاري

أما الفصل الخامس والأخير فخصصته لخدمة الجمع، أي الخدمات العلمية التي جمعت بين الكتب الثلاثة أو اثنين منها، وقسمته إلى مبحثين: تكلمت في الأول عن الجمع بين الصحيحين من خلال تأليف: نظم المشتبهين من رجال الصحيحين وكتاب زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم بالإضافة إلى العناوين المتفرعة عنه، وفي المبحث الثاني عن الجمع بين الكتب الثلاثة: الموطأ والصحيحين من خلال كتاب ذكره الشيخ محمد المامي بن البخاري.

وقد حاولت أن أتناول ما وجدت من المؤلفات في هذا الباب بشيء من الوصف والتحليل، بادئا بترجمة المؤلف ثم وصف الكتاب ومحتواه ومنهجه ومصادره ونسخه…حسبما توفر لدي من معلومات.

وقد ختمت البحث بخاتمة موجزة وملاحق تخدم موضوع الدراسة، وفهارس للأعلام والمصادر والمراجع مرتبة حسب ورودها ومصنفة إلى مجموعات، إضافة إلى فهرس للموضوعات.

إنني أرجو أن أكون قد وفقت إلى حد ما في إعطاء لمحة موجزة عن هذا الموضوع، ولا شك أنها ناقصة إلى حد كبير؛ إذ لو افترضنا أن هذا الموضوع حظي بباحث يتوفر على الظروف والوسائل المناسبة، فإن طبيعة الموضوع وخصوصية مجاله تقتضيان في النهاية أن لا تتجاوز الصورة المقدمة ثلث الحجم الحقيقي، ذلك أن الكثير من الجهود المعنية من المفترض أن يكون قد ضاع قبل العلم بوجوده أصلا والكثير تعرض للضياع بعد ذلك، أما القليل الموجود فلا يستطيع الباحث المجد الوصول إلى كثير منه في زمن قليل.

وبالتالي فهذه -على أحسن تقدير- مجرد لبنة في الطريق الطويل لدراسة هذا الموضوع قد تسهم في الوصول إلى نتائج جيدة إذا لم ينقطع البحث فيها، ولئن مد الله في العمر وسمحت الظروف لي بالمواصلة فإني أجد الرغبة فيها.

أما الآن فحسبي أن أسوق جهد المقل، ودعوى الشمول والكمال بعيدة نظرا للموانع العديدة التي أهمها الشعور الصادق بالعجز عن وفاء الموضوع حقه.

أما عن النتائج التي توصلت إليها خلال البحث فينتابني – كما قلت في الخاتمة- شعوران متناقضان:

الأول: أن أغلب ما ورد في مباحث وفصول وأبواب الموضوع هو عبارة عن نتائج؛ لأني حاولت أن لا أكرر ما توصل إليه الباحثون قبلي، ولا شك أن هذا الشعور موغل في التفاؤل.

الثاني: أني لم أصل إلى نتيجة؛ لأن ما ذكرت إن كان صحيحا فقد أكون مسبوقا إليه، وإن لم يكن صحيحا فهو من أخطائي، وقد يكون في هذا نوع من التشاؤم.

وبين الشعورين أرى أنه لا بد من ذكر بعض الأمور:

– أن الوحدة التي ربطت بين المغرب وحواضره العريقة مثل فاس ومراكش…من جهة وبين بلاد شنقيط من جهة ثانية هي وحدة شاملة ولا يمكن إنكارها نظرا لما دونه العلماء الشناقطة في رحلاتهم وإجازاتهم ومراسلاتهم وقصائدهم وأنظامهم ووثائقهم المختلفة من مقولات تؤكد ذلك.

– أن ما هو شائع من كون تمسك الشناقطة بالفروع كان على حساب الأصول (القرآن والحديث) ليس على إطلاقه، بل إن عنايتهم بالحديث عموما وأمهاته الثلاث (موضوع البحث) خصوصا كانت معتبرة وبالتالي فالأمر نسبي.

– أن ما لقيه صحيح البخاري من عنايتهم لم يلقه أي كتاب في موضوعه، حيث تنوعت تلك العناية لتشمل الحفظ والشرح والسرد…

– أن مسألة “سرد البخاري في المجالس” أو “سرد الحديث” -والتي درستها في هذه البحث لأول مرة حسب علمي- متجذرة في الحواضر المغربية كما في الحواضر الشنقيطية بنفس الطرق والأساليب تقريبا، وبالتالي فهي مظهر من مظاهر الوحدة الثقافية بين البلدين.

– أن كثيرا من الأعلام الشناقطة الذين كان لهم دور بارز في علم الحديث على مستوى العالم الإسلامي مثل صالح الفلاني وأبي عبد الله محمد بن محمد بن سنة الفلاني وأبي عبد الله الولاتي لم يجدوا حظا من الدراسة رغم مكانتهم العلمية المتميزة، باستثاء ما كتبه عنهم الكتاني في كتابه الفريد: فهرس الفهارس والأثبات الذي ألفه بطلب من صديقه محمد حبيب الله بن مايابى الشنقيطي.

وفي الأخير أشير إلى أني كنت جعلت بابا رابعا يتعلق بالجهود المعاصرة حول الموطإ والصحيحين مثل نظم فضيلة الدكتور محمد المختار ولد اباه للموطإ ونحوه…

غير أني قصرت عنه في هذه المرحلة على الأقل لأسباب منها:

-ضيق الوقت حيث انتهى الوقت المحدد للبحث قبل كتابة المادة العلمية لهذا الباب.

-كون أغلب الأعمال المفترض دخولها في هذا الباب منشور متداول وبالتالي فهو يعرف بنفسه ولن يكون في ذكره ضمن هذا البحث كبير فائدة.

-كما أن العادة جرت في بعض الأعراف الأكاديمية أن الأعمال التي لا يزال أصحابها أحياءا لا تدخل ضمن هذا النوع من الأعمال البحثية؛ لأنها قد تكون معرضة للتغيير من طرف أصحابها حسب تغير اجتهاداتهم وآرائهم العلمية.
والله أسأله التوفيق والسداد في القول والعمل، والعفو عن كل خطل وزلل.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى