إنشاء “الوكالة الوطنية لمحاربة مخلفات الرق وللدمج ولمكافحة الفقر : قرار هام وآمال واعدة

إن بلدنا كغيره من بلدان العالم قد عرف خلال عقود خلت من تاريخه تلك الممارسات المشينة والمدانة من طرف الجميع لظاهرة ما يعرف بالإسترقاق أو العبودية عموما من خلال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، حيث أن تلك العلاقة غير المتكافئة تتعدى في أغلب حالاتها كل الحدود المسموح بها في إطار العلاقة ما بين البشر، وذلك من خلال التعذيب بشتى أصنافه والتجويع والإهانات والشتائم المتكررة على مرأى ومسمع من الجميع .

هذا وأشير إلى أن تلك الممارسات قد عانت منها كل مكونات وفئات المجتمع الموريتاني كغيره من مجتمعات العالم، وبدون استثناء سواء تعلق الأمر بالقوميات العربية من بيض أو سود، أو تعلق الأمر بالزنوج من البولار والسوننكه والوولوف، فلم تسلم أية قومية من هذه القوميات من تلك الممارسات خلال كل تلك الفترات المظلمة من تاريخ هذا الشعب الأبي المسلم والمسالم، وإن كان البعض قد يذهب إلى أبعد من ذلك حيث يعتبر تلك الممارسات لظاهرة العبودية أشد وأقسى في بعض القوميات من بعضها، حيث أن موتى العبيد يدفنون في مقابر لوحدهم بعيدة كل البعد عن مقابر أسيادهم، وأنهم لا يدخلون مساجدهم للصلاة فيها، ولا يجلسون على فراشهم، وغيرها من العادات والتقاليد والممارسات التي لا يقبلها العقل ولا يصدقها، ولكن تلك أمة قد خلت لها ما لها وعليها ما عليها والله حسيبها.

وقد جاء الإسلام لمحاربة مثل هذه الظواهر المنافية للتعاليم الدينية بشتى أنواعها، وذلك بمختلف الطرق المشروعة والعادلة عن طريق رد الإعتبار لهؤلاء وقد ورد ذلك في أكثر من آية.
وإن كانت ممارسة ظاهرة العبودية بشكلها العنيف واللاَّ إنساني قد اختفت غير مأسوف عليها وإلى غير رجعة فإن مخلفاتها لا تزال قائمة، وفي هذا السياق تتنزل هذه الخطوة الجريئة والجادة من خلال هذا مشروع المرسوم القاضي بإنشاء “الوكالة الوطنية لمحاربة مخلفات الرق وللدمج ولمكافحة الفقر” والصادر من أعلى سلطة في البلد من خلال الإرادة القوية والصادقة لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز الحامل لهموم الموريتانيين عموما وعلى وجه الخصوص لأولئك المستضعفين والمظلومين والفقراء.

ولا شك أن الفئات المنحدرة من الطبقات التي عانت أسلافها من تلك الممارسات لديها مشاكل عديدة ثقافية واجتماعية واقتصادية، ومن الضروري جدا الوقوف على حقيقة تلك المعاناة وترتيبها طبقا لأولويات تحدد الحاجات وتسمح بالتدخل الجاد والمفيد لمحاربة هذه الآثار من أجل تمكين هذه الفئات من الإلتحاق بالركب وبناء تنمية متوازنة بين مختلف مناطق الوطن ولتستفيد منها جميع فئات وطبقات وطننا الحبيب.

وفي هذا الصدد فإني أرى أنه من بين المعوقات الكثيرة المؤدية الى التخلف عموما المعوق الأساسي الحقيقي والموضوعي المتمثل في الجهل، وذلك بسبب عزوف الكثير من أبناء فئات شعبنا عن التعلم خاصة في مراحل عمرية معينة وفي مناطق معروفة من الوطن بسبب ظروف أملتها حاجيات أو إكراهات الحياة وصعوبتها أحيانا على تلك العائلات والأسر التي لا حول لها ولا قوة، حيث كثيرا ما يستعين هؤلاء بأطفالهم ليساعدوهم في توفير لقمة العيش، ويخففوا عنهم متاعب ومشاق الحياة، و للخروج من هذه المعضلة فإنه ينبغي على الجهات المعنية القيام بفرض التعليم الإجباري على أبناء هؤلاء المواطنين من خلال فتح مدارس تتوفر على كل المستلزمات الضرورية وتستجيب للحاجيات والتي على رأسها توفير الكفالات المدرسية الفعلية على أن يتم تشكيل لجنة محلية من الأهالي تعني بالمشاركة في تسيير مثل هذه الكفالات،
وفي نفس الوقت القيام بخلق بدائل اقتصادية تسمح بتحسين الظروف المعيشية لهؤلاء المواطنين.

وموازاة مع ذلك فإن الوكالة معنية بدمج اللاجئين بشكل كلي في المجتمع، وخلق حياة مناسبة لهم تسمح لهم بالعيش الكريم من خلال إقامة المشاريع المدرة للدخل وتقريب الخدمات الأساسية لهم من مياه وكهرباء ومواد غذائية، وربط أواصر الصلة والأخوة بينهم مع باقي إخوانهم من مكونات المجتمع الأخرى.

هذا كله مع مواصلة حملة القضاء على داء الفقر هذا الداء العضال والذي ترزح فيه قاعدة عريضة من شعبنا بسبب التخطيط غير المعقلن وغير الموجه والسياسات الفاشلة للأنظمة الماضية التي تعاقبت على إدارة دفة الحكم في البلد، وغياب الروح الوطنية والمواطنة على حد السواء، وأنتشار ظاهرة الفساد بشتى أشكاله.

وحسب وجهة نظري فإنه من أجل بلوغ الوكالة للأهداف المرسومة لها فإنه ينبغي بل من الضروري جدا إشراك وتمثيل المستفيدين بشكل أساسي من بداية العملية إلى نهايتها، ولا شك أن المنطقة المشكلة لمثلث الأمل (مثلث الفقر سابقا ) ستكون من أولى الأولويات نظرا لحجم ساكنتها ولظروفهم، فهي تضم العديد من آدوابه والقرى التي عانت كثيرا أكثر من غيرها من الإهمال والتهميش خلال كل الحقب الزمنية الماضية.

وهذا الجزء الهام من الوطن بحاجة إلى الرعاية وإلى من ينتشله من الضياع والتخلف من أجل وضعه على السكة الصحيحة، وإلحاقه بالمستويات التنموية المتقدمة التي وصلت إليها الأجزاء الأخرى من وطننا العزيز وذلك من أجل القيام بتنمية متوازنة تستجيب للتطلعات والآمال .

ولا شك أن الآمال كل الآمال كانت وستظل معقودة على النظام الجديد من خلال ما لمسه فيه المواطن العادي غير المكابر والذي يسمع ويرى ولا يعاني من الرمد ولا من أمراض القلوب التي منها الحسد، ولأنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، حيث أن المواطن أينما كان أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى يرى بأم عينيه ما تحقق من إنجازات هامة على كل الأصعدة، وفي شتى المجالات في ظرف قياسي جدا بالمقارنة بما تحقق خلال كل تلك العقود الماضية.

ولا شك أيضا أن سكان آدوابه مثل سكان القرى والأرياف، وكذلك سكان المدن يعلقون آمالا كبيرة على هذه الوكالة الجديدة، وعلى رئيسهم رئيس الفقراء السيد محمد ولد عبد العزيز.
فإلى مزيد من الوفاء بالعهود من خلال تزايد وتيرة الإنجازات في المستقبل من أجل موريتانيا متصالحة مع ذاتها، متقدمة ومزدهرة.

الكاتب/مولاي إدريس ولد الشيخ العربي

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى