الشيخ محمد المامي بن البخاري

هو محمد المامي بن البخاري بن حبيب الله بن بارك الله بن أحمد بزيد ذو النسب المتصل بجعفر الطيار رضي الله عنه، كان مولده سنة 1206 للهجرة ب”تيرس” في شمال موريتانيا. عاش عمرا يناهز السبعين عاما. وكنية “المامي” فى اسم الشيخ، تحريف للإمام سمي بها نسبة إلى المجاهد الشهير الإمام عبد القادر الفوتي (1140هـ- 1224) أحد أئمة فوتا الإسلامية. و والده البخاري اشتهر بالتقى والصلاح، وجده باركلله .
نشأته وتكوينه العلمي

أظهر الفتى محمد المامي نبوغا مبكرا وذكاء وقادا حيث حفظ القرآن الكريم ثم سافر إلى القبلة للعلم وتلقى تعليمه في منطقة اترارزه حيث أقام بها فترة وجيزة، لينتهي به المقام في منطقة توضباي الفوتية – كوركل حاليا- ثم عبر نهر السينغال واتصل بأمراء النهر الذين يحكمون بالعدل ويشجعون العلماء ، ورغم أن رحلته هذه مفقودة إلا أن المتتبع لآثاره عامة وقصائده خاصة يدرك أنها أثرت في توجهاته الفكرية والعلمية واهتماماته.
مالبث الشيخ أن عاد إلى منطقة “تيرس” (الشمال) وهو لا يزال شابا، وذلك بطلب من الأهل، الذين كانوا بحاجة لمن يوحدهم ويعلمهم. وهناك وفي سن مبكرة أسس محظرته التي طار ذكرها سريعا في البلاد، واجتمع عليها من الطلاب ما لم يجتمع على غيرها
لم يذكر المؤرخون أشياخا محددين أخذ عنهم العلم أو مدرسة معينة درس بها، و لعله إنما أخذ العلم عن طريق الاطلاع الواسع والرحلات العلمية. وقد التقى الشيخ محمد المامي طوائف من العلماء والفقهاء أبرزهم:
ـ أحمد البشير القلاوي (ت 1277م)
أو فى الشمشوي (ت 1300)
ـ الشيخ أحمدو بن سليمان الديماني (ت 1300)
ـ الشيخ سيدي المختار الكنتي الصغير(ت 1263)
ـ محمد أحمد بن حبت الكنتي ( 1298)
ـ الشيخ محمد بن برو الشمسدي (ت 1260)
ـ سيدينا بن الطالب أحمد (1287)
ـ الشيخ محمذ فال بن متالي (ت 1287)
ـ محنض بابه بن اعبيد الديماني (ت 1277)
ـ الشيخ محمد فاضل القلقمي (ت 1286)
ـ المختار بن المعلى الحسني (1326)
ـ المصطفى بن احمد فال العلوي (ت 1290)
ـ الطالب أحمد بن اطوير الجنة الحاجي (ت 1310)

آثاره ومؤلفاته
الشيخ محمد المامي هو بحق، عالم متعدد المواهب: فهو أديب ولغوي وفقيه وأصولي ومفكر سياسي ومصلح اجتماعي ومؤرخ. ويرد الكثيرون غزارة علمه إلى ذكائه الحاد، خاصة عند الغوص في حياة هذا العالم الذي عانى من معارضيه الذين لم يقبلوا أطروحاته الجديدة عليهم.
وقد ترك العديد من المؤلفات في التوحيد والفقه والسيرة النبوية والنحو، وقوانين الدولة والجغرافيا وتكلم عن اكتشاف المعادن، إلخ… مما يجعل بالإمكان القول بأنه كان سابقا لعصره…. وقد قام بإدخال تحسينات في المناهج التربوية المعمول بها بموريتانيا آنذاك، من حيث اختصار المطولات ونظمها حتى يبسط حفظها مثل حفظ المباني في نظم المقولات النحوية، ونظم خليل وترتيب نزول الناسخ والمنسوخ وله أكثر من 28 مؤلفا وديوانا (شعر فصيح وشعر شعبي). وكان متميزا حتى في عناوين كتبه وقصائده مثل “كتاب البادية”، و”الدولفينية” و ”الموردية في الأحكام النبوية”.
اشتهر الشيخ بسرعة قياسية نظرا لعبقريته العلمية الفذة وحدة ذكائه، ففي فترة مبكرة تصدر للفتوى، وألف عشرات التآليف في الفقه، واللغة والشعر والحساب، كما أفتى في نوازل لم يُسبق لها. ومن مشروعه الإصلاحي دعوته إلى النظام وقيام دولة، كما حث الناس على العمل وطالبهم بالإتحاد وتنصيب حاكم يأمر بالعدل ودعا إلى العمران وحفر الآبار وصيد السمك.

مشروعه الإصلاحي: الدعوة إلى نصب الإمام و إلى فتح باب الاجتهاد
لم يكن الشيخ راضيا عن الواقع الاجتماعي والسياسي لبلده ولهذا أطلق عليها تسميات تشي بتلك الفوضى السياسية والاجتماعية مثل “البلاد السائبة” ، و”المنكب البرزخي” ، والقطر الشنظوري.
وقد وضع نصب عينيه قضية الدعوة إلى نصب الإمام وإقامة الحدود واعتبر أن غياب الإمام يؤدي إلى شيوع الفوضى وتعطيل الأحكام ، وأدى إدراكه لخصوصية البلاد إلى انتاج خطاب تميز بازدواجية كما راعى تلك الخصوصية عن إصداره للأحكام باعتبار شنقيط ومجتمعها حالة استثنائية تتطلب احكاما خاصة تنطلق من خصوصيتها الاجتماعية والدينية ، واهتمامه هذا بالفقه وواقع مجتمعه الخاص دفعه إلى تأليف نظم مختصر الخليل وكتاب البادية بعد أن أطلق العلامة محنض بابه صيحته الشهيرة (أدرك الفقه فإنه قد خرج من الأيدي ) ثم ترجم اهتمامه بالفقه السياسي إلى نظم الأحكام السلطانية للماوردي (زهر الرياض أزدرية في الأحكام الماورودية ) ودرس السياسة الشرعية في محظرته وذلك يعكس سعة أفقه العلمي وعدم تمذهبه.كما حث الناس على العمل وطالبهم بالإتحاد وتنصيب حاكم يأمر بالعدل، ودعا كذلك إلى العمران وحفر الآبار والإنتاج في جميع المجالات…
والواقع أن الاهتمام بالإشكالات الناجمة عن الفراغ السياسي والعمراني شغل بال الشيخ محمد المامي؛ فقد عالجه من الوجهة التنظيرية في عدة مؤلفات أقواها في الدلالة على قوة هذا الانشغال هو نظمه لكتاب “الأحكام السلطانية” للماوردي، وحتى من الناحية العاطفية فقد كان الشيخ محمد المامي يحس بألم شديد من الفراغ السياسي في بلده ويعيش هاجس الإصلاح وجدانياً، نجد ذلك في تسمياته الساخرة للبلاد، مثل “المنكب البرزخي ” … وعمليا عُرف عن المؤلف دعوته الشهيرة إلى نصب الإمام وسعيه الحثيث فيها من خلال الاتصال بالعلماء والتحريض بالأشعار…..

ولعل مشروع الشيخ محمد المامي، يأخذ إلى جانب البعد السياسي، أبعادا أخرى أوسع. فنجد الباحث عبد الله بن أحمد حمدي يقسم المشروع الإصلاحي لشيخنا إلى ثلاث محاور : المحور العقائدي حيث الخلاف المستحكم لدى الشناقطة على فهم العقيدة وشرحها، المحور الصوفي حيث الصراع بين الطرق الصوفية في البلاد، و المحور التشريعي حيث الصراع بين “الأصوليين” و”الفروعيين”.
وبالذات على الصعيد التشريعي ، رأى الشيخ محمد المامي ضرورة تجديد الفقه خاصة في هذا القطر فنقح الكثير من الدراسات الفقهية وتعامل معها بروح نقدية اجتهادية فائقة كما رأى أن مجتمع شنقيط في القرن 13 يعيش أزمة تشريعية متجسدة في ظاهرتين بارزتين ميزتا ذلك المجتمع هما:

– خلوه من المجتهدين والكلام في النوازل على أمثلة المقلدين حيث بقي التقليد مسلكا في عقول الناس فكانت ثقافتهم وبضاعتهم الفكرية مقصورة على الثالوث المعروف “في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك “… لهذا كان من أهم أهداف الشيخ محمد المامي فتح باب الإجتهاد، هذا الاجتهاد المقيد والمنطلق من مذهب (التخريج) كما برز في كتابه “جمان” كتاب البادية.
ودعا الشيخ محمد المامي لفتح باب الاجتهاد مبينا تناقض القائلين بإغلاقه، حين يقول إن فقهاء عصره ينكرون على من حاول فتح باب الاجتهاد، ومع ذلك لا تمضي على أحدهم سبعة أيام من دون أن يجتهد في نازلة، وخاض الشيخ محمد المامي مساجلات فكرية وفقهية مشهورة مع كبار العلماء الشناقطة من معاصريه من أمثال محمد سالم المجلسي والعلامة محمذ فال بن متال، ومحنض بابه بن عبيد الديماني والمختار بن محمد المجلسي، واشتهر بالسعي في الصلح بين القبائل، وبالكرم، وكان يعيش في كنفه الكثير ممن لا ملجأ لهم، كما كان موضع احترام كبير من جميع الموريتانيين والوافدين. ”

وقد برزت أصداء منهج الشيخ محمد المامي و دعوته إلى فتح باب الاجتهاد في العديد من المؤلفات الشنقيطية التى جاءت بعده، فنجد، على سبيل المثال، العلامة محمد مولود بن أحمد فال في كتابه “الكفاف لنوازل البادية” أغفل الأبواب التي لا يحتاج إليها أهل البادية كحاجة ملحة فى نظره، مثل زكاة النقدين وصلاة الجمعة والحج والاعتكاف إلا أنه خصص في نظمه بابا للجهاد مبرزا ضرورة تنصيب الإمام وهو في ذلك يقفو سنن الشيخ محمد المامي.
توفي الشيخ رحمه الله حوالي سنة 1286 للهجرة.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى