السلفيون والسياسة ومتطلبات المرحلة

تشكلت بعد ثورات الربيع العربي قوى سياسية مهمة، وظهرت أخرى للعلن، و قويَ عود بعضها و كسرت شوكة البعض الآخر، وتهافت الجميع يبغي نصيبه من كعكة الديمقراطية التي صنعت بدماء الشهداء و الجرحى والمعتقلين.

وكان من بين تلك القوى الناهضة في المجال السياسي، التيار السلفي الذي لعب دورا مهما في الساحة السياسية ، وقلب الموازين لصالح القوى الإسلامية في كل من تونس ومصر مع وجود اختلاف في الدور و النضج والفاعلية.

ولئن كان بعض مشايخ السلفية يتصور أن الديمقراطية هي “شرع الكفار ومنهج وثني”، ويحكم فيها “الفساق و العصاة والكفار والنساء والمحاربون لدين الله” (كما كتب أحدهم)، إلا أن ظهور أحزاب كثيرة خرجت من رحم ذلك التيار وتعددت بتعدد المشايخ يدل على الاهتمام البالغ بالممارسة السياسية، ورغبة آكدة على دخول الحياة السياسية مع انبلاج فجر جديد هدمت فيه صوامع الديكتاتورية والفساد.

لكن التيار السلفي بحكم اعتزاله العمل السياسي في سابق عهده، وتحذير مشايخ التيار من خطورة الديمقراطية والمشاركة السياسية، وجد نفسه بعد الثورة معنيا بتلبية مطالب جماهيره العريضة التي طالبت بدور فاعل في الحياة، فشارك في الانتخابات التي أجريت في كل من مصر وتونس وحصد نتائج مهمة و مبشرة، لكنه أيضا ارتكب أخطاء فادحة في تعامله مع بعض القضايا في تلك الدول.

لم يستطع السلفيون في مصر مقاومة “جاذبية” السياسة بعد الربيع العربي،فدخلوا مع الداخلين ، ومن ثم انتقلوا من ساحة الدعوة التي خبروها إلى عالم السياسة الذي لم تكن لهم علاقة به. وهو ما استدعى انتقالهم من مخاصمة الأحزاب والنفور منها إلى التلهف على تشكيل الأحزاب والتطلع إلى صدارتها.

فى البدء ظهر حزب النور بالإسكندرية فى عام 2011 ليكون واجهة للحركة السلفية وذراعها السياسية،ثم انفتحت الشهية لدى الآخرين، فأصبح لديهم فى السنة الثانية للثورة ثمانية أحزاب التفت حول أشخاص وليس حول أفكار وبرامج، حتى حزب النور نفسه انشق وخرج من عباءته حزب الوطن الذي أعلن عنه في بداية عام 2013 الحالى..

ثم تطور تقدم الاخوة السلفيين ، فأضحى همهم هو البحث عن حصة القوم من الوزارة والإدارة وفى غير ذلك من المناصب و الوجاهات السياسية، وفى بعض الاجتماعات الرسمية كانوا يتحدثون صراحة عن تلك الحصص ويشكون من الغبن الذي أصابهم فيها.

الإعلام هو الآخر كان محط أنظار السلفيين، فتهافتوا على القنوات التلفزيونية ، ولم يجدوا حرجا في الظهور على القنوات التابعة للنظام السابق ، والمحسوبة على الفلول، و قد دفعوا ثمن ذلك “التهور” ووقعوا في فخ نصبه لهم أعداء الإسلاميين الذين يتربصون بهم كل حين.

وقد دفعت الخصومة السياسية للإخوان الإخوة السلفيين إلى التحالف مع جبهة “الخراب” المعروفة بعدائها للإخوان، وللمشروع الإسلامي بشكل عام، ويترأس تلك الجبهة قادة من العلمانيين والقوميين الذين لا يقيمون وزنا للإسلام ولا لحامله، بل يسعون مع قوى أجنبية إلى وأده و القضاء على حامليه.

وعلى منوال نظيرتها المصرية، تعيش السلفية الحركية في تونس حالة انتقال نحو العمل السياسي بعد أن كانت ترفض الديمقراطية والانتخابات،ومع ذلك لم يستطع السلفيون الاندماج في المعترك السياسي، رغم سعي حركة النهضة الحاكمة إلى استمالتهم في وجه خصومها من العلمانيين.

يوجد في تونس عدة مدارس سلفية، فالسلفية الحركية التي تستمد أصولها من التيار السروري ومؤسسه الشيخ محمد سرور زين العابدين بن نايف بعقيدته السلفية ومنهجه الإخواني, (تأسست أول حركة سلفية في تونس عام 1988 تحت اسم “الجبهة الإسلامية التونسية” وترأسها محمد خوجة ومحمد علي حراث وعبدالله الحاجي) تعتبر أحد ابرز الأحزاب السلفية المؤثرة .

وقد شهد العام 2012 بروز حزبين سلفيين، الأول هو حزب جبهة الإصلاح، وهو أول حزب ذي مرجعية سلفية يحصل على ترخيص للعمل السياسي في تونس, ويُعرف الحزب نفسه بأنه “حزب سياسي أساسه الإسلام ومرجعه في الإصلاح القرآن والسنة بفهم سلف الأمة”، ويترأسه محمد خوجة، والثاني هو حزب الرحمة ويتزعمه سعيد الجزيري، وحصل الحزب على الترخيص القانوني في شهر أغسطس/آب الماضي.

كما توجد السلفية الدعوية،وهي فصيل دعوي بالأساس ويركز دعاتها على الجوانب الفقهية والعقائدية، وهم في ذلك متقيدون بالمراجع الإسلامية العلمية،كما يحرمون الخروج على الحاكم ولو كان ظالما، ويغلب عليهم اليوم الموقف المؤيد لحركة النهضة الحاكمة.

ثالثا وأخيرا السلفية الجهادية،وقد أعاد هذا التيار –بعد الثورة- التشكل في تنظيم أنصار الشريعة بقيادة أبو عياض التونسي الذي أعلن أن تونس أرض دعوى لا جهاد، غير أن الحكومة دائما ما كانت تتهمه بالوقوف خلف أعمال العنف المسلح، وخاصة محاولة اقتحام السفارة الأميركية في سبتمبر/أيلول 2012 ، وكذلك الأسلحة التي يتم ضبطها من حين لآخر.

في سوريا التي لا زالت تشهد معارك طاحنة بين الثوار والنظام السوري ، تشكلت بعض القوى الإسلامية، وتنظمت في تشكيلات عسكرية، ابزرها التنظيمات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين السورية، وجبهة النصرة المحسوب على تنظيم القاعدة.

ومع أن لجبهة النصرة دور كبير في هزيمة جيش النظام، وذلك لما يتوفر عليه أصحابها من عتاد وتدريب محكم، إلا أن إعلانها لتبعية القاعدة في هذه الظرفية يثير أكثر من تساؤل، خاصة في ظل امتناع غربي عن دعم الثورة السورية بالسلاح، وادعاء النظام السوري بوجود القاعدة في التنظيمات المسلحة الثائرة.

في موريتانيا لا يوجد نشاط سياسي للسلفية، سوى بعض الأنشطة الخجولة،وفي مارس من السنة الماضية خرجت سيدات منقبات في مسيرة مطالبة بتطبيق الشريعة، وخرجت أخرى قبل أيام لذات الهدف.

إن وجود التيار السلفي كمكون أساسي في المجتمع، وككتلة قوية ومؤثرة في المشهد السياسي، هو أمر ضروري ، يخدم توجهات التيار الإسلامي الذي تجتمع في غطائه عدة تيارات مع وجود بعض الاختلافات.

من المهم للتيار السلفي وهو يلج الساحة السياسة أن يدرك تأثيره وقدرته على قلب المشهد لصالحه إذا ما تكاتفت الجهود، وتوحدت الأهداف، ومن المهم كذلك أن يفهم السلفيون أن تجربة الإخوان في العمل السياسي ومقارعتهم لأنظمة سابقة أكسبتهم تجربة يفوقون بها أقرانهم من السلفيين.

إن ممارسة التيار السلفي للسياسة ستضيف رصيدا جديدا للحياة السياسية إذا فهم جمهور التيار السلفي الديمقراطية على حقيقتها،وفهموا مع ذلك حاجة الأمة إلى جهدهم في هذا المجال تكاتفا مع إخوانهم في الميدان.

إن نجاح التجرية الإسلامية هو نجاح للحركات الإسلامية كلها، وإن فشلها –لا قدر الله- هو فشل للجميع، وحينها ستنفض الشعوب أيديها من التجارب الإسلامية، تماما كما فعلت مع غيرها، فهل يرضى السلفيون أن يكونوا سببا في نفور الناس من الحكم الاسلامي ؟

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى