تكنلوجيا المعلومات فى موريتانيا…الى اين؟

بدأ استخدام المعلوماتية فى موريتانيا مبكرا على غرار بلدان العالم والمنطقة عموما،وكانت السلطات المعنية سباقة في استيراد أجهزة متطورة في ذالك الوقت، وكونت الدولة في هذا التخصص الكثير من خيرة أبناء البلد،حيث بعثت العثات الطلابية إلى مختلف أرجاء العالم، وفي نهاية الثمانينياتافتتح المعهد العالي (ISS)قسما للمعلوماتية المطبقة على تسيير المؤسسات (MIAGE)، وهكذا أدخلت الدولة تطبيقات المعلوماتية إلى بعض إدارتها، واستحدثت أقسام خاصة كوحدة الرواتب آنذك، حيث كانت أولي الإدارات التي جعلت المعلوماتية إحدىأولوياتيها لضبط جميع العمليات المالية وكذلك الإدارية للدولة .

وهكذا بدأت موريتانيا تدخل تكنولوجيا المعلومات إلى عمليات الإحصاء خلال عملية إحصاء “السكان والمساكن”، من أجل ضبط العملية، وكانت الانتخابات الأولىفي بداية التسعينيات بجهود أبناء موريتانيا مضبوطة بأرقام وبرمجيات موريتانية، رغم بعض التدخلات من أصحاب القرار في ذلك الوقت لتعديل بعض النتائج، وكانت موريتانيا في نهاية التسعينيات لديها آليات ومعدات معلوماتية تضاهي البلدان المجاورة بالنسبة لما كان عليه الحال آنذك، ومع التطور التكنلوجي العالمي وإلزامات العولمة بدأت تغزو المكاتب في القطاعات الحكوميةمختلف التجهيزات والآليات،لكن ذلك الغزو لم يكن سوى”قشورالمعلوماتية” فكل المكاتب اليوم مربوطة بالانترنت السريع وتوجد فيهاأجهزة حواسيب، لكنها لاتستخدم كما ينبغيأو كما يجدر أن تكون.

فلقد أنشأت الدولة مركزا مختصاثم كتابة للدولة ثم بعد ذالك وزارة مكلفة بتكنلوجيا المعلومات، وبعد كثير من التحولات تم إلحاق مجموع الإدارات التي انتهت إليها الهيكلة إلى وزارة التكوين المهني، وهو ما يثبت ان كلالقرارت التي اتخذت في مجال تطوير تكنلوجيا المعلومات لم تطبق كما ينبغي، او انها لم تنل إعجاب أصحاب القرار وبالتالي لم تكن كل تلك الحركة الدؤوبة في هذا المجال سوىاستيراد الأجهزة و المعدات.

اليوم يجلس كل موظف في الوظيفة العمومية تقريبا امام حاسوبه المربوط بالانترنت ليثقله بمجموعة من التطبيقات المكتبية (bureautique) ولا يساهم ابدا في نماء تكنلوجيا المعلومات في البلد بل على العكس فاستخدام الانترنت واثقال كاهل مؤسسات الاتصال بتحميل الصورة والافلام وغيرها من الاستخدامات التي تشغل عرض النطاق الترددي ((bandepassante)وهو ماسيجعل المؤسسة التي يعمل بها تدفع مبالغ باهظة الي مؤسسات الاتصال في ماقابل خدمة لم تستغل كما يجدر بها.

في غير المراسلات البريدية وبعض التطبيقات المكتبية فشلت تكنلوجيا المعلومات في موريتانيا، فكثيرة هي محاولات الاستفادة من تلك التكنلوجيا وبسيطة إلىأقصى درجة،،،، لكندون جدوى.

على سبيل المثال لا الحصر ترتبط جميع الهئيات الإدارية وبعض البلديات في موريتانيا بالحواسيب والانترنت وهو كل ما يلزم لضبط عمل التراخيص التجارية، لكن في موريتانيا يستطيع كل من هب ودب ان يحصل على ترخيص تجاري لبيع مايريد في المكان الذي يريد وبالأسلوب الذي يشاء، إلا ما قل وندر، وبأسماء متكررة في كل النشاطات،و كذالك المتطلبات الأخرى(ترخيص عدد العمال وووو…) بالإضافة إلى الإشكالية القانونية في هذا الجانب،هنا أود أن أشير إلى أن تطبيقا بسيطا مربوط بالغرفة التجارية على سبيل المثال يمكن أن يحل هذه الإشكالية وستستفيد الدولةمن هذا العمل فيضبط السوق التجاري، إضافة إلى محاربة التهرب الضريبي بكفاءة أكبر، وغيرذلك من الأمور التي تساهم في بناء دولة عصرية و حديثة.

نستطيع القول إن تكنلوجيا المعلومات بموريتانيا فشلت في غير قطاع البنوك التجارية وشركات الاتصال ، فقد فشلت في قطاعات كان الأولى نجاحها فيه لما لها من جدوى وسهولة في التطبيق، فعلى سبيل المثال الخزينة العمومية فشلت في ضبط المداخيل و العمليات المالية في داخل البلاد ،كما فشلت الجباية في تلك المناطق، على الرغم من أن الموضوع لايتطلب سوى حاسوب وكابل انترنت وقاعدة بيانات بسيطة .

سوقت شركات كبرى عالمية برمجياتها في العقود الماضية، لكن ضعف المنافسة اوانعدامها جعل المسألة انتقائية، واكتفت السلطات بعدد من التطبيقات المكتبية وبعض قشور تكنلوجيا المعلومات، كما لعب صانعو القرار أيضا دورا في انتقائية التكنلوجيا بحيث اقتصرت قرارتهم المتعلقة باقنتاء التكنلوجيا على ما يفهمونه فقط ،وأتذكر في هذا الصدد أن أحد الوزراء السابقين أراد إدخال المعلوماتية الى أحد قطاعات وزارته، وعندما خلصت المناقصة التي قدمت لتزويد القطاع بأجهزة وبعض البرمجيات التي ستسير العمليات الإادارية والمالية فيه، أبدى الوزير استغرابه لأن تكون البرمجيات أغلى سعرا من الأجهزة، وهكذا قرر إيقاف المشروع، ليكتفي في آخر المطاف باقتناء أجهزة مستعملة من السوق في مناقصة”مرت من تحت الطاولة”.

هل يعقل ان تكون الدوائر الحكومية الحساسة (الأمن ، الجيش ، الداخلية، الخارجية، التجارة…….. إلىآخر القائمة)، هل يعقل أنها لا ترتبط بأية قواعد بيانات؟اللهم إلا مؤخرا في بعض المشاريع التي غيبت فيها الكوادر الوطنية، وما نتج عن ذلك من مخرجات كارثية في بعض أجزاء هذه المشاريع، حيث لم تراعي تلك البرمجيات الخصوصيات الوطنية في معالجاتها، فكان مشروع الحالة المدنية على سبيل المثال ـ لا الحصرـ كارثيا لعدم أخذه بعين الاعتبار خصوصية البيانات وترتيب أولوياتها بما ينسجم مع المتطلبات الأساسية بتوفر جميع البيانات المتعارف على ضرورة وجودها، ففي بعض البلدان التي قامت بتصحيح الحالة المدنية فيها لم تكن مخرجاتها على الشكل الذي كان عليه الحال في موريتانيا، حيث ألغت الحالة المدنية لدينا قواعد البيانات التي كانت موجودة قبلها، وبالتالي أوجدت أفرادا وشخصيات قانونية جديدة لا تمت بصلة إلى الشخصيات التي وجدت قانونيا أيضا حسب ما كان معول به، فخلقت بذلك مشاكل سيتطلب حلها إجراءات وتدابير إضافية لآلاف من المغتربين فىشهاداتهم الأكاديمية وإقاماتهم وعقود عملهم، كل ذالك بسب أن المشروع كان مغلق.

تبقى إشكالية تكنلوجيا المعلومات وتحريرها من الاستبداد في الرأي والاستغلال السياسي والعناد الإداري ـ تبقى ماثلة في موريتانيا مالم تتغير الارادة في الاستخدام الناجع الذي يقدم ولا يؤخر بعيدا عن الأهواء والمزايدات، فبذلك وحده نتقدم خطوة في مجال التمكين والتوظيف الأمثل لتكنلوجيا المعلومات في بلادنا.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى