شباب “اللقاء” .. !!

الآن ومن حوالي شهر تقريبا، أصبحنا نعرف أن هناك لقاء للشباب سيجمع رئيس الجمهورية بحوالي 200 إلى 400 شاب، حسب ما سيقرره المشرفون على اللقاء..!!

درجة الصخب حول اللقاء كبيرة جدا، فهو ملأ صفحات الموقع الالكتروني الذي خصص له، وبصر شاشة التلفزة الوطنية (المخصصة له)، وسمع الإذاعة الوطنية (المفصلة عليه)، وشوارع العاصمة وملتقيات طرقها التي تضج بملصقاته و”معلقاته”..!!

صراخ لا يتوقف بأن الرئيس سيلتقي الشباب في سابقة هي الأولى من نوعها محليا، وبأن الشباب سيحدث الرئيس مباشرة ومن دون حجاب، وأن الهدف الأول والأخير هو ” إشراك الشباب وجعله غاية ووسيلة في إقامة تنمية وطنية صادقة وشاملة ” ..!!

وخلف كل الصخب والصراخ المثار حول هذا الحدث المدوي، غاب سؤال يطرحه الكثيرون، وهو أننا عرفنا “لقاء الشباب” فهل لنا أن نعرف “شباب اللقاء”..؟!!

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

من اللحظة الأولى وجهت “البوصلة” ورسمت “خارطة” اللقاء (سياسيا) عندما تم اختيار مجموعة شبابية عهد إليها بإدارة وتحضير اللقاء “ماديا ومعنويا”..!!

كيف تم اختيار المجموعة؟!!

سؤال أجاب عنه ممثلون عنها في برنامج إذاعي محلي على إذاعة وطنية مستقلة بأن اختيار المجموعة كان عبر معايير “واضحة” و”شفافة”، أولها “الاهتمام” بالموضوع درجة الكتابة عنه والتبشير به، وثانيها سرعة تقديم طلبات للمشاركة في اللقاء..!!

الإجابة “رومانسية” جدا ومختصرة جدا، لكنها لا تعطى أية حقيقة لما جرى من ملابسات في اختيار “الجماعة”، خاصة وأن التبشير بحدث ما ليس مبررا لتحضيره وإعداده، ثم كيف لا تكون “الجماعة” المشرفة أول الداخلين إلى موقع اللقاء لتسجيل طلبات المشاركة وهي التي أنشأت الموقع أصلا وفرعا..؟!!

توجد قراءة أخرى للمعايير التي اختيرت على أساسها الجماعة، وهي قراءة بسيطة وغير معقدة، فخلف كل اسم من الأسماء قصة وعلاقة ونفوذ ودور، وربما “نجوم” و”نياشين” و”خلايا”، فلا أحد يصدق أن الشباب الموريتاني عاجز- لو تم استفتاؤه – عن اختيار مجموعة تحضيرية يثق فيها على أن لا تكون من نفس اللون السياسي أو “الأمني” أو “الولائي”..!!
ثم لماذا لا يعهد للجنة خبراء فنيين “قطاعيين” مستقلة خالية من “كوليسترول” الولاءات السياسية – ولومن غير الشباب- بتحضير لقاء بهذا الحجم..!!

ومن له الحق في تمثيل الشباب الموريتاني، والتحدث باسمه درجة ترتيب لقائه مع الرئيس..؟!!

لا أهمية للبحث عن أجوبة لتلك الأسئلة الآن، فلنتركها معلقة، ولكن لنتساءل مرة أخرى عن طبيعة “شباب اللقاء” منطلقين من طريقة اختيار “لجنة التحضير” المثيرة للجدل بعد أن فهمنا تقريبا طبيعة “لقاء الشباب”..!!

من الواضح أن ثمة هدفا سياسيا انتخابيا بالدرجة الأولى، ولا يحتاج ذلك برهانا أو دليلا، فنحن على عتبة رئاسيات جديدة، والفقراء لم يعد البكاء باسمهم مجديا، فقد استهلك الشعار نفسه، وكان لابد من البحث عن “شعار جديد” للحملة القادمة .

إن وجود هدف سياسي استعراضي انتخابي، يقتضى بالضرورة انتقاء شباب قادر على خدمة الهدف وتسويقه، بنفس “السرعة” التي اقتنع بها “المحضرون” باللقاء وبشروا به، وبادروا لطلب المشاركة فيه..!!

ولاختيار شباب بمعايير تخدم الهدف الحقيقي للقاء، كان لابد من وجود استمارة “تدقيقية” و”تحقيقية” تساعد في “التعرف” على الشباب اجتماعيا ومهنيا وسياسيا، والتعامل وفقها لاختيار شباب “النخبة”، والاستمارة وضعت بعناية “فائقة” لكي يحصل “المنظمون” و”المحضرون” و”المحققون” على “بنك معلومات” يساعدهم في استبعاد الشباب “المزعجين”، وانتقاء شباب يسير “جنب الحيط”، ولا يتجاسر على إزعاج صاحب الفخامة .
لو لم يكن الأمر بتلك الخصوصيات لحدد رئيس الجمهورية يوما مفتوحا للقاء الشباب – كل الشباب – في “الملعب الأولمبي” مثلا، مع تزويده بخدمات الصوتيات والمرئيات لنقاش عفوي صريح على شكل سؤال وجواب، يجد فيه الشاب حريته في الرأي والطرح، ويجد فيه الرئيس فرصته في “التنظير”، وحتى “التبشير” ب”انجازاته” وبرامجه المستقبلية.

وبطبيعة الحال فإن مدرجات الملعب لن تستقبل الكثير من الشباب لأسباب عديدة، تتعلق بالإحباط وبعد الشقة وصعوبة الظروف المحلية على شتى الأصعدة، ويمكن تنظيم اللقاء في الملعب بتحديد عدد من الشباب 10000 مثلا أو5000 حسب المقاعد المتوفرة، وبما يتيح تأمين اللقاء، والسيطرة عليه بشكل كامل، تماما كما في التظاهرات الرياضية التي يحتضنها ذلك الملعب عادة، وإن ضاق الملعب بالحضور فيمكن نصب شاشات عملاقة في الشوارع والأحياء المجاورة له، مع “البث المباشر” عن طريق الإذاعة والتلفزيون، وفتح خطوط هاتفية أمام الجميع للاتصال بالرئيس، وتوفير “سيارات متنقلة” تمكن الجميع من التواصل مع الرئيس صورة وصوتا.

إن اختيار مجموعات شبابية محدودة، ووفق معايير غامضة، ومن طرف لجنة تحضير استدعيت على عجل دون مراعاة أية اعتبارات باستثناء القرب من النظام ودوائره القريبة( أو البعيدة ) يعنى أن اللقاء مجرد “كرنفال” استعراضي إعلاني دعائي، لن يقدم شيئا للشباب ولا حتى للرئيس..

وحتى الآن فإن إشارات واضحة تصدر عن منظمي اللقاء تؤكد أنه لن يكون على مستوى تطلعات الشباب الموريتاني، الذي يريد أن يقول ويسمع( بضم الياء)، لا أن يسمع (بفتح الياء) فقط، ويريد أن يناقش قبل أن ينفذ، وليس العكس، من تلك الإشارات تضارب سقف العمر المحدد للشباب الراغبين في لقاء الرئيس، فبعض “المحضرين” لا يتجاوز عتبة “الأربعين” كشرط للقاء الرئيس، بينما يتحدث بعض “المنظمين” عن “الخمسين” باعتبارها العمر الذي تقف عنده مؤشرات العمر الشبابي، ومنها أيضا الحديث عن صعوبة في التعامل مع “الإيميلات”، وهو منفذ قديمكن من إقصاء كل “المزعجين”، خاصة وأن “الإستمارة” تشبه كثيرا الورقة التي توضع في أذن الحيوان البري أو “ذيله” عند إطلاقه من طرف علماء الحيوان في البراري لأغراض البحث والتحري عن طرق حياته وتكاثره، ومناطق تواجده، وطرقه في الحصول على الغذاء والسكن، وصناعة “الأعداء” و”الأصدقاء”، ودرجة “انسجامه” في القطيع الخاص به، وتعاطيه مع القطعان من خارج “بني جلدته”..!!

والواقع أن “المنظمين ليسوا بحاجة للإستمارة، فنحن مجتمع “معرفي” أو”تعارفي”، فالشخص نعرفه من اسمه أو كنيته أو محل ميلاده، فتلك مفاتيح مساعدة في التعرف على قبيلته وعشيرته وفصيلته، ومسقط رأسه، ومجالات أنشطته.

كان من الأفضل إذن أن يكون “شباب اللقاء” معرفا تحديدا بأنه “شباب الحزب الحاكم”، أو”شباب الأغلبية”، والابتعاد عن الصخب الحاصل بشأن طبيعة اللقاء، وطبيعة شبابه.

و يقيني أن أغلب الشباب الذين سجلوا طلبات للمشاركة ( وأنا منهم فقد كنت من أوائل المسجلين طلبا للقاء عسى أن أقول كلمة حق أمام الرئيس) سجلوا بحسن نية وبصدق ليحدثوا رئيس الجمهورية عن التهميش والبطالة، وغياب الأمن، وسيطرة الشركات الأجنبية على الثروات الوطنية، والاحتقان السياسي والاجتماعي، والبؤس الاقتصادي، وغياب الدولة، وعجز الحكومة، والفراغ الروحي والأخلاقي والتربوي، وانتشار الجريمة المنظمة، وتدنى خدمات التعليم والصحة والمياه والكهرباء، وانتشار البؤس والفاقة والفوارق الاجتماعية، والخوف من المستقبل في بلد يشهد موجة إلحاد غير مسبوقة، وتصرفات تهدف لضرب تاريخه الديني وحضارته، مع تربص الكثير من الأعداء الداخليين والخارجيين به، وحدة وأمنا واستقرارا واستقلالا وسيادة .

ومن المؤسف أن رسائل “مشفرة” يبعث بها القائمون على اللقاء، توضح – مع اقتراب موعده – أن الأمر يتعلق بشباب تم اختيارهم بدقة وحذر للقاء الرئيس ليسمعوا منه، وليس بلقاء الشباب مع الرئيس ليسمع منهم ويتفاعل مع معاناتهم ومشاكلهم.

فهل نركز الآن على طبيعة “شباب اللقاء”، بدل التركيز على فهم طبيعة “لقاء الشباب”..؟!!

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى