حديثكم ينافي أوله آخره
ولو لمرة واحده أتمنى أن أناقش شخصا متعصبا ممن يتبع احد الأيديولوجيات أو الآراء التي تظن أنها على الحق وغيرها على الباطل , وينتهي النقاش دون سب وشتم أو تكفير .
كل مرة يبدأ النقاش بطرح أسئلة تقليدية معلبة , يتوقع أن لا يجد لها السائل جوابا , فإذا وجد الجواب , بدأ في التشكيك بصحة المعلومة فان انتهت هذه المرحلة ندخل في مرحلة السب والشتم أو التكفير.
لا أقول رأيي هو الصواب , ولكن لا أقول أن رأيي هو الخطأ , فلا احد يحق له احتكار الحقيقة المطلقة ولا احد يملك الصواب المطلق, بل أقول كما قال الإمام الشافعي , رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ,
فلا أتعصب لرأي قد يكون خطأ , وقد يتضح خطأه بعد أيام أو شهور .
في مرحلة من عمري ناصريا حتى النخاع , وناصرت معمر القذافي في بداية انقلابه, كنت أراه امتدادا للوعي العربي, ولكن والحمد لله لم أكن متعصبا له . وقد ثبت خطأة وجريمته في حق ليبيا.
في مرحلة كنت أرى أن الحركة القومية هي طريق الخلاص مما نحن فيه من انحطاط وتخلف وذل وخذلان , ثم اتضح لي أنها حركة نتنة حتى النخاع تنكر على إخواننا في الوطن حقوقهم.
كنت اطرب لسماع شعارات , أراها اليوم داء ينخر أساس الآمة , ضيعت حقوق الأكراد والطوارق و التبو وغيرهم. فأصبح بعضهم أعداء لنا بدل أن نكون أخوة في وطن, كنا نرفض عليهم ما نبيحه لأنفسنا , وتلك إذن قسمة ضيزى .
جلست لتعلم العلم الشرعي, ولكن للأسف تحولت بعض مجالس العلم الشرعي إلى حواضن لفكر التعصب المقيت للرأي تنبذ النقاش وتعتبره من المحرمات.
سألتهم , هل فهمكم للإسلام هو الفهم الصحيح , وكانت الإجابة صاعقه , إذ قيل لي ” وفهم غيرنا مخرج من الملة ” . تذكرت صعوبة الحكم بالخروج من الملة , ولو كان احد يستحقه لأستحقه الصحابي حاطب بن بلتعة والمرأة التي كانت تحمل خطابه لقريش يحذرهم غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم, فكيف لا يستحقه من خالف أمر رسول الله , ويستحقه من خالف رأيا فقهيا لعالم يقابله عشرات بل مئات الآراء المخالفة بل والمناقضة له , أهذا ” العالم ” هو خاتم النبيين الذي ينطق عن الهوى والعياذ بالله ؟
سألتهم هذا السؤال , فكانت إجابة معلقة !! بان ذلك هو زمن الوحي, ولم يحكم على حاطب بالردة لأن الرسول يمكن أن يكون قد ابلغه ربه بان حاطب لم يرتد.
سألتهم وانتم تعلمون بكفر الشخص وإيمانه قبل أو بعد خروجه من المسجد ؟
سألتهم أين انتم من حديث ابن حب رسول الله أسامة بن زيد ؟ أين انتم من هذا الحديث قَالَ أسامة بن زيد بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا ، فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَقَتَلْتَهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ ، قَالَ : ” أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ ، حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟ ” فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ ،
قَالَ رَجُلٌ : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ، فَقَالَ سَعْدٌ : قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ، وَأَنْتَ ، وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونُ فِتْنَةٌ .
وهكذا كان , دمرت دولتان مسلمتان من اجل بنايتان, هم خسروا بنايتين ونحن خسرنا بلدين , هم خسروا بضع ألاف ونحن خسرنا ملايين , وتلك إذن قسمة ضيزي .
كل تعصب للرأي خطر على الفرد والمجتمع والأمة . فالمؤمن عليه أن يبحث عن الحقيقة ضمن ثوابت الشرع , وثوابت الشرع مجموعة في حديث شريف واحد .
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ : حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ” ، فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ ؟ قَالَ : ” لا ، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ وَصِيَامَ رَمَضَانَ ” ، قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ ؟ قَالَ : ” لا ، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ ” ، قَالَ : ” وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ ” فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : ” لا ، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ ” ، قَالَ : فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : وَاللَّهِ لا أُزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أُنْقِصُ مِنْهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ ” وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : ” أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ ” أَوْ ” دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ ” .
اكرر قول رسولنا , أكرره لكي تسمعوه إن كنتم لا تسمعون ” افلح إن صدق ” ” افلح إن صدق”
فمن أين أتيتمونا بكل ما تقولون بأنه مخرج من الملة؟
هي أراء علمائكم استبدلتم بها الواضح البين الغير قابل للتأويل من حديث نبينا ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، خلاصة حديثي التعصب للفكر ينافي الفكر , والتعصب للرأي ينافي الرأي , وحديثكم أيها المتعصبون ينافي أوله آخره .
صالح بن عبدالله السليمان