العبودية و نيران الفتنة

بسم الله الرحمن الرحيم القائل في كتابه الكريم ((واعتصموا بحبل الله و لا تفرقوا)) والقائل أيضا ((ولا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم))، و الصلاة و السلام على نبي الرحمة والوحدة و العدل و المؤاخاة و التضامن و التعاضد القائل :(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى).

و بعد فإن العبودية مشكلة إنسانية قديمة قدم التاريخ أفرزتها سنة الصراع و التدافع بين بني البشر، والمتتبع لتاريخ الحضارات البشرية القديمة:المصرية،الفارسية،الهندية،وغيرها يهوله تواطؤها على ممارسة الرق على نطاق واسع وبدون أية ضوابط باعتباره عملا أخلاقيا وتطورا انسانيا عظيما لكون الاستعباد نجاة للأسير من القتل، وهكذا اعتبروا السماح للإنسان بالعيش و لو في أدنى مراتب الحياة أفضل من قتله.

عندما جاء الإسلام وجد أمامه حياة جاهلية و عادات ظالمة ومن بين تلك العادات العبودية التي هي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان،فوضع الإسلام تصورا إنسانيا شاملا لبناء بيئة العدل و المساواة و بناء استراتيجيات مستقبلية تضمن تحقيق نقلة نوعية في المسيرة البشرية،ويؤسس لبناء علاقة انسانية على أساس الأخوة و العدل و الإحسان،فالأفضلية معيارها تقوى الله العزيز بعيدا كل البعد عن التفاضل بالقبائل و العشائر،قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )، صدق الله العظيم.

كما أن اللون و اللغة ما هما إلا من آيات الله تبارك و تعالى في هذا الكون قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِين)، صدق الله العظيم

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

ليس غريبا على مجتمع متعدد الأعراق و الديانات أن تظل فيه نيران الفتن مشتعلة،لكن الغريب هو أن المجتمع الموريتاني الذي تعايش منذ قرون على المحبة و السلام ،على العافية و الوئام ،على الأمن و الاستقرار، يعيش اليوم تهديدا في صميم وحدته وتعايشه السلمي بفعل بعض الخطابات المتطرفة ،مع أننا نحن الموريتانيين شئنا أم أبينا أهل عافية و اعتدال و لسنا ميالين للتطرف و الغلو،كما أننا في الوقت نفسه لسنا متساهلين في أمور ديننا الحنيف.

و ككل مجتمع يستحيل أن يخلو من مخلفات ماضيه التي تؤثر سلبا أو ايجابا في بعض الحالات على حاضره و تشوش في حالات أخرى على مستقبله رغم محاولاته الجادة في التغلب عليها بشتى الطرق و الوسائل المشروعة و الموضوعية ،والكل مجمع على ضرورة معالجة هذه القضايا العادلة التي لانريدها أن تظل قيدا يشدنا إلى الماضي و يشل حركتنا نحو المستقبل.

فعلا الكل مجمع على القضاء على الآثار المعاصرة للإسترقاق،و اتضح ذلك جليا في الإرادة الصادقة للحكومة الموريتانية مترجمة ارادتها من خلال مفوضية حقوق الإنسان و العمل الإنساني التي صادقت مع المقررة الأممية في مارس الماضي على خارطة طريق تضمنت 29 توصية.

لقد بادرت الحكومة الموريتانية بتعيين لجنة فنية لمتابعة تنفيذ خارطة طريق للقضاء على الأشكال المعاصرة للعبودية،تضم هذه اللجنة ممثلا لكل وزارة معنية بهذا الملف سواء كان من قريب أو بعيد بالإضافة إلى أربع منظمات مهتمة بالمجال الحقوقي ومنظمات أممية تسهر هذه اللجنة على متابعة وتقويم مستوى تقدم الأعمال حسب ما هو مخطط له،إذ تهتم مفوضية حقوق الإنسان والعمل الإنساني بالتنسيق و التحسيس و التأطير لتطبيق التوصيات و تجسيدها على أرض الواقع،فالمتتبع للساحة الحقوقية يلاحظ حركة غير مسبوقة للورشات و التكوينات التي من شأنها توعية و تكوين المنظمات الحقوقية للقيام بالدور المنوط بها.

ومن بين أبرز المهام التي يجري العمل على تنفيذها في إطار هذه الخارطةْ:

– مراجعة القانون رقم 048/2007، بهدف تعريف الاسترقاق بشكل أشمل والنص على حق ضحايا العبودية في التعويضات المدنية و دمجهم وتقديم المساعدة لهم.

– خلق الظروف الملائمة لتساوي الفرص أمام الجميع للولوج إلى الملكية العقارية وذلك بعد تعيين لجنة لدراسة واقع الملكية العقارية وتعديل الاطار القانوني المنظم لها.

– الحرص على تطبيق أحكام القضاء المتعلقة بالتعويضات لصالح ضحايا الاسترقاق.

– المصادقة على مدونة الطفل وعلى قانون يحظر العنف المبني على النوع.

– تشكيل خلايا نموذجية لحل النزاعات الأسرية في آدوابه.

– إنشاء وضمان متابعة المدارس التعليمية في المناطق ذات الأولوية.

– تقوية الآليات الشرعية المتعلقة بالتمييز الايجابي لصالح المرأة والطفل.

– تشجيع المقاولة لدى الأشخاص الذين يعانون من تأثيرات مخلفات العبودية من خلال برامج تكوينية وقروض لتمويل مشاريع مدرة للدخل وتنمية روح المبادرة والمقاولة لدى ضحايا الاسترقاق.
– تسهيل الحصول على أوراق الحالة المدنية لغير الحاصلين عليها

– تشجيع التعليم الالزامي للأطفال والتكوين المهني للبالغين

– – تشجيع التمييز الايجابي في التشغيل: اكتتاب حملة الشهادات من آدوابه، ترقية برامج تحسين الخبرات، وضع آليات تمويل لصالح المستفيدين من التكوينات.

. – بلورة وتنفيذ برامج تنموية لصالح المتضررين من مخلفات العبودية

– مساندة ضحايا الاستعباد منذ انطلاقة الاجراءات وحتى صدور الحكم: تحيين النظم المتعلقة بالمساعدة القضائية، فتح مكاتب للدعم القضائي.

– بلورة برامج تحسيسية حول نزع الشرعية عن العبودية من خلال: حملات تحسيس لقادة المجتمع المدني ووسائل الاعلام حول التشريع المجرم للعبودية، استراتيجية اتصال لمحاربة مخلفات العبودية، تكوينات حول محاربة مخلفات العبودية، إصدار فتوى تحرم العبودية، تسيير قوافل تحسيسية داخل البلاد.

– – تعميم نصوص محاربة العبودية والقيام بحملات تحسيسية من خلال الملصقات والنقاشات والشعارات والبرامج الاذاعية والتلفزيونية.

– تشجيع تخصص القضاة ووكلاء القضاء حول تطبيق القانون.

– تحديد يوم وطني لمحاربة العبودية.

– إشراك المجتمع المدني في مختلف مراحل تنفيذ هذه الخريطة.

– تقوية قدرات منظمات المجتمع المدني.

. – تشكيل لجنة لمتابعة التنفيذ وضمان تقييم دوري لمستوى التنفيذ

لاشك أن كسب الرهان يلوح في الأفق بعد هذه النوايا الصادقة و الإجراءات العملية التي بدأت ترى النور وبشهادة الجميع داخليا و خارجيا،رغم أن الطريق مازال طويلا و بالتالي فإن نبش مخلفات ماضينا لتأزيم حاضرنا و تدمير مستقبلنا لن يستفيد منه إلا أعداء هذا البلد الذين لا يتمنون له الخير،بعد أن ظل آمنا مستقرا وسط محيط عصفت بدوله المجاورة فتن وحروب سببها الأساسي هو العبث بوحدتها الوطنية و سلمها الأهلي.

لقد آن الأوان بأن يقول علماؤنا و مثقفونا من كل مكونات شعبنا وهم كثر و الحمد لله كلمتهم الفصل : الوطن فوق كل الاعتبارات،فوق اللون و العرق و الجهة.

إن وطننا محتاج لسواعد جميع أبنائه لا فرق بين عربي و عجمي و لا أبيض و لا أسود إلا بدرجة تقوى الله في هذا الوطن الذي ندين له بالكثير من الأمن و العافية و الطمأنينة.

و ختاما علينا أن نتذكر المثل الحكيم القائل : إما أن نعيش كإخوة أو نموت جميعا كأغبياء.

بقلم الحقوقي / محمد ولد ابراهيم

انواكشوط 27/02/2015

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى