هوامش على زيارة الشرق / د. دداه محمد الأمين الهادي
طالعت الإعلام، فوجدت ايسلكو ولد ايزيد بيه -لا ينقص به- في ورطة من الزيارة الشرقية، ووجدت ولد باهية يؤلمه ظهره، ووجدت بعماتو والرئيس لم تفد فيهما جحافل القبيلة وجحاجيحها، ووجدت أحمد داداه في افرانس 24 يرى في الزيارة هروبا من الواقع، في حين يرى ولد محمد فال أنها جولة في الوقت بدل الضائع، ووجدت جماعة التصفيق تداعب الرئيس في الزيارة، حول فتح النوافذ، وإغلاق الأبواب، ويبتسم رئيس الحزب الحاكم.
كانت طائرة الرئيس تحط على الرمل، كان لونها باهتا تماما، وكأنها اختيرت للتخفي في السماء المغبرة عن القاعدة وداعش، وتحت سلالمها كانت وجوه الأطر المسافرين إلى حيث يصل صاحب الفخامة، وهي وجوه بدت تشبه وجوه المواطنين لأول مرة، فقد غاب الكثير من الأبهة ولمعان المظهر، وحلت سمات الانتظار الطويل، وهو الانتظار الذي عاشه الشعب منذ نشأة الدولة حالما بقاطرة تنمية لا تصل.
إن حجم الأكاذيب التي اكتشفها صاحب الفخامة كبير جدا، وهكذا طالعنا الإعلام على اكتشافات مذهلة في الفساد، في الطرق، وفي الصحة، وفي التعليم، وفي قطاعات أخرى، لكنني أعتقد أن رئيس الدولة على علم بكثير من الفشل الحاصل حتى قبل الزيارة، وتأتي زيارته في غاية الأهمية على الأقل لكي يتبعه الإعلام، ويشاهد الرأي العام عن كثب كارثة الفساد، التي أتت على البلد.
لقد قامت الدولة بتسفير مجموعة الخزينة إلى بير أم اكرين، ونسيت أن تتبع تلك الجماعة بالولاة والحكام، ومن على شاكلتهم ممن استفاد جورا وظلما من برنامج أمل، الذي كان موجها للمسحوقين والبؤساء، فانتهى في جيوب الإداريين، وكان الحري بهم أن يتركوا للضعاف ما يخصهم، ونحن كغيرنا طالعنا في الإعلام أخبار غير مطمئنة تتحدث عن رواتب في البرنامج رصدت بغير حق لهؤلاء، ولشلة من المحظيين بعطف الوساطة.
لقد كانت الزيارة زيارة التوبيخات، ففي كل محطة ثمة من يوبخ، ومن حجم التوبيخات يمكن تقدير هول كارثة قلة السمع والطاعة، وهذا مفزع حقا.
وفي جانب آخر فقد برز للعيان صراع العمالقة، بين الوزير الأول يحي ولد حدمين، والوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية مولاي و لد محمد الاغظف، فموقع يصف الأول بالشعبوي، وآخر يصفه بالتعبوي، وثالث ورابع يصفان الثاني بذلك، ويهاجمان الأول، والعكس وارد تماما، ومن الأجدر بالرجلين الحفاظ على منصبيهما، فالرجوع لصفوف المواطنين غير مشجع في الحاضر.
ومن المرجح أن تكون الزيارة تأتي صابة في المسار السياسي المتعثر للبلد، وستكشف الأيام القادمة عن مغزاها، فإما أن ينسف الدستور، وإما أن يقام الحوار دون وفاق وطني، وإما أن تكون ثمة جولات جديدة من التجاذب السياسي تشرعن وتؤسس مرحلة جديدة من موريتانيا الجديدة-القديمة.
ويطيب لي في هذه العجالة أن أعلق على وصف بعض المواقع لولد ايزيد بيه بأنه ليس رجل قبيلة، وأنه بلا شعبية، لأقول إن هذا الوصف لا يحترم الواقع، فليس في المجموعة المتحكمة حاليا من لديه شعبية، وإن وجد فسيكون حالة الشذوذ، التي لا يقاس عليها، وليس في المجموعة أيضا رجل قبيلة بالمفهوم التقليدي، إنما هنالك ظواهر صوتية خادعة وكاذبة ومتزلفة، وهي التي تقف خلف ظاهرة الفشل الوطني، وقد لوحظ منذ أيام قبل الزيارة عودة بعض الأطر إلى القبيلة في مشهد مضحك، وهذا حالنا مثلا في قبيلتنا، وهي أنموذج وطني حي على أنه لا وجود لرجال قبائل في الوقت الراهن، فبعد سنوات من تقديم المجموعة لما يشبه فرسان في المشهد، فإنها لم تحظ براكب دراجة يكون من بين فرسانها، أما الفروسية فعليها السلام، وفي البداية كانت ثمة ظواهر صوتية أحدثت وهما لدى المجموعة بأن لها فارسا أو اثنين، لكنها اكتشفت بسرعة البرق أن الفرسان ولى زمانهم.
والفارس الوطني هو الناجح في خدمة قضية وطنية، وفارس القبيلة هو الذي تجتمع عليه القبيلة ليكون ظلا من ظلال الدولة، ويكون قادرا على خدمة الاثنتين، ويحبذ في عمله أن لا يكون قبليا على حساب الدولة، وهذان النموذجان لا يوجدان حاليا إلا نزرا.
إن الكارثة الكبرى التي تنضاف إلى حجم “النهبنوت والسلبنوت” هي أن جل من حول ولد عبد العزيز يخادعونه، ويتلاعبون بالمواطنين، ولا يمكن أن يساعدوه بشكل حقيقي، لأنه بحاجة للشعبية وهم ليست لديهم، وبحاجة للقبائل وهم ليسوا رجال قبائل، وبحاجة للأفراد وهم علاقاتهم لا تتجاوز أنوفهم، وبحاجة لمن يعمل بما يقال له، وزيارة الشرق أكدت أنهم يعملون ما يحلو لهم، ويغالطون بخديعتهم.
ومن هنا فإنني أتوقع أن تعصف زيارة النعمة برؤوس كبيرة، وأن يكون هنالك تغيير وزاري كبير، وأن تفتح ملفات فساد جديدة، ستكون كفيلة بوضع رموز من النظام الحالي وراء القضبان، وطالعوا معي مثل هذا الخبر الوارد في موقع زهرة شنقيط –مثلا- : ” استغرب الرئيس محمد ولد عبد العزيز لدى وصوله مقاطعة تمبدغه كذب معاونيه بشأن البئر، التي أرسلها إلي سكان “أوكار” قبل فترة، واستدعي الوالي محمد الأمين ولد بلعمش لحظة وصوله للاستفسار عن الفبركة التي قام بها وزير المياه محمد الأمين ولد آبي والوالي.
وقال ولد عبد العزيز في حوار مع ولد دهمود – الذي التقته زهرة شنقيط بالأمس- ” ألم أرسل لكم بئر بعد وصولي العاصمة نواكشوط واللقاء الذي جمعنا، ورفضتموها بحجة كره التقري؟.
غير أن ولد دهمود رد عليه بالقول “الرئيس .. والله أل كذب أعليكم.. نحن نموت من العطش، نعيش أزمة تعليم كبيرة، ولا توجد أي نقاط صحية بالمنطقة التي شاهدتهم”.
الرئيس استدعي الوالي محمد الأمين ولد بلعمش واستفسر الرجل مرة ثانية عن الواقعة، ثم قال له ” تحرك .. تحرك .. سنتصرف”.
وفي نهاية هذه الكتابة أنصح ولد ايزيد بيه أن يحاول الرجوع جوا مع الرئيس، وأنصح ولد باهية أن يحاول زيارة المستشفى في مالي بظهره، وبعماتو إن لم يقبل الصلح، فنرجو منه التبرع بمستشفى عام لمناطق الشرق المخادعة، وولد داداه وأعل كان كلامهما فيه المعنى، ونطلب من ولد عبد العزيز تجديد طبقة الحكم، والتخلي عن الدولة العميقة، التي أساءت لحكمه وشعبه.
dedahio@gmail.com
44533080