الجنرال الامريكي بترايوس “ابو الصحوات” / عبد الباري عطوان

الجنرال الامريكي بترايوس “ابو الصحوات” يصحو فجأة ويعتبر “الحشد الشعبي” العراقي اكثر خطورة من “الدولة الاسلامية”.. وزميله وتلميذه ديمبسي يتساءل بعد زيارة بغداد: اين العلم العراقي؟ والسيد السيستاني يطالب بعدم رفع صوره؟ ماذا وراء هذا “الانقلاب” في المشهد العراقي وما هي انعكاساته على معركتي تكريت والموصل؟


لخص الجنرال ديمبسي رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية المشتركة المشهد العراقي الحالي في تصريح ادلى به اثناء زيارته الاخيرة الى بغداد، قال فيه “عندما حلقت على ظهر مروحية فوق بغداد كان بالامكان رؤية الكثير من الاعلام والشعارات التابعة لميليشيات شيعية معروفة من دون رؤية العلم العراقي بينها الا نادرا، واضاف “ان جهود الحرب ضد الدولة الاسلامية محكوم عليها بالفشل اذا لم تنجح حكومة بغداد في الالتزام بتعهداتها تجاه السنة في ان تكون حكومة لجميع العراقيين”.

الجنرال الامريكي المتقاعد الآخر ديفيد بترايوس قائد سلاح الدبابات الذي احتل العراق عام 2003، ثم اصبح في فترة ذروة المقاومة العراقية عام 2006 الى عام 2008 قائدا للقوات الامريكية في هذا البلد المنكوب، واسس قوات “الصحوات السنية” للقضاء على تنظيم “القاعدة”، الجنرال باتريوس هذا حذر في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” ان الخطر الحقيقي على العراق يأتي من ميليشيات “الحشد الشعبي” المدعومة من ايران وليس من تنظيم “الدولة الاسلامية”، وقال ان هذه الميليشيات متهمة بارتكاب جرائم حرب وقتل المدنيين السنة وليس “الدولة الاسلامية” وحسب، وقال ان تناميها ونفوذها قد يجعل الحكومة العراقية عاجزة عن السيطرة عليها في المستقبل القريب.

***

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

التأمل بعمق في هذين التصريحيين لجنرالين امريكيين كانا رأس حربة في مخطط احتلال العراق واطاحة نظامه، وايصاله الى الفوضى الدموية التي يعيشها حاليا، يمكن ان يعطينا ارضية قوية لاستقراء المستقبل المظلم لهذا البلد والاسباب التي ادت حتى الآن الى عدم سقوط مدينة تكريت وهزيمة قوات “الدولة الاسلامية” المسيطرة عليها واخراجها منها بالتالي رغم حشد ثلاثين الف مقاتل من الجيش العراقي وقوات الحشد العبي لهذا الهدف.

لا نفهم لماذا تلجأ الحكومة العراقية التي اسست جيشا تعداده فوق النصف مليون جندي وضابط، وانفقت على تدريبه وتسليحه اكثر من 25 مليار دولار الى تأسيس الميليشيات الطائفية، سنية وشيعية، لقتال “الدولة الاسلامية”، فهذه الميليشيات جميعا خارجة عن القانون، ولا تدين بالولاء الى الدولة في مفهومها العصري الحديث، وهي الدولة، التي تدين انظمتها ودساتيرها كافة اي سلاح خارج سلطة الدولة ومؤسساتها الامنية والعسكرية.

“الدولة الاسلامية” خطر لا جدال في ذلك، والاكثر دموية في ممارساتها الارهابية، ولكن مسؤولية مواجهة هذا الخطر منوطة بالدولة العراقية وليس بالميليشيات الطائفية ايا كان مذهبها وانتماؤها، لانها، اي الميليشيات، ليست منضبطة وتتحرك بعقلية الانتقام والثأر، ويمكن ان ترتكب جرائم حرب اسوة بالميليشيات التي تشارك في الحرب ضدها، وهي ارتكبت هذه الجرائم في تكريت وغيرها من المدن العراقية.

قوات “الحشد الشعبي” كانت ترفع اعلامها ورموزها، وليس العلم العراقي، عندما دخلت اطراف مدينة تكريت، ودمرت قبر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين انطلاقا من عقيدتها الثأرية، الامر الذي خدم “الدولة الاسلامية” لانه جعل بعض العشائر السنية العراقية تعيد النظر في موقفها من الاخيرة والحرب ضدها، وانعكس ذلك بوضوح في تبدد آمال الحكومة العراقية في استعادة تكريت في غضون ايام، مثلما تعهدت منذ اسبوعين، والتقدم نحو الموصل التي القت فيها اكثر من مليون “منشور” تبشر فيها السكان بأن عملية “التحرير” للمدينة باتت وشيكة وحتمية.

السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الاعلى في العراق كان اول من تنبأ بخطر “الحشد الشعبي” وتجاوزات عناصره الثأرية عندما طالب بعدم استخدام هذا الحشد لصوره ورموزه المرجعية، لانه يدرك جيدا الاخطار التي يمكن ان تترتب على ذلك، ويريد التنصل منها مسبقا.
يبدو ان الجنرال بترايوس “ابو الصحوات” العراقية صحا من غفوته اخيرا، وبدأ يرى الاخطار التي يمكن ان تترتب على سياسة تأسيس الميليشيات الطائفية، سنية كانت او شيعية، فأطلق صرخة تحذير لحكومته وحليفتها العراقية في بغداد من هذا التوجه وتبعاته.

ومن المفارقة ان زميله الجنرال ديمبسي اتهم السيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق، ونائب الرئيس الحالي بهدم كل ما بنته بلاده وقواته في العراق بسبب سياساته الطائفية المذهبية الاقصائية، ولكنه ينسى ان الجرم الامريكي في العراق اكبر من جرم السيد المالكي، لان امريكا هي التي ادخلت التقسيمات المذهبية الى هذا البلد وكرستها، وهي التي جاءت بالسيد المالكي الى الحكم، وهيأت بمثل هذه السياسات الحاضنة لنمو “الدولة الاسلامية” وتمددها في العراق وسورية والمنطقة العربية برمتها.

الادارة الامريكية حشدت الميليشيات العراقية والكردية (البشمرغة) وسخرت طائراتها وحلفاءها الاوروبيين والعرب لضرب قواعد “الدولة الاسلامية” ونجحت فعلا في وقف تمددها، ولو جزئيا بعد انهيار الجيش العراقي في الموصل وباقي المدن العراقية، ومنعت سقوط بغداد، الآن بدأت تتحدث عن خطر ميليشيات “الحشد الشعبي” الشيعية وكأنها تعترف بخطأها وتلمح الى امكانية اصلاحه وهي مهمة صعبة ان لم تكن مستحيلة.

***

لا نعتقد ان المخطط الامريكي في القضاء على “الدولة الاسلامية” يملك الكثير من فرص النجاح في ظل هذا التخبط الذي نراه، وحتى وان حقق نجاحا فانه سيكون بطيئا ومكلفا، وجزئيا، وسيؤدي الى خلق بدائل لا تقل خطورة عن الخطر الاساسي، اي ان اعراض المرض ستصبح اكثر خطورة على الجسمين العراقي والعربي من المرض نفسه في ظل هذا الطبيب الساذج المتخبط.

الدعم الايراني للميليشيات الطائفية سيرتد عليها سلبا على المدى البعيد، تماما مثلما ارتد على الدول الخليجية التي استخدمت النهج نفسه في سورية واليمن وليبيا، فهذه لعبة خطرة ستحرق اصابع كل من يقترب منها، فالميليشيات المدعومة خليجيا في سورية نجحت وذاع صيتها في الاعوام الثلاثة الاولى للازمة، ولكن اي هي الآن؟ اين الجيش الحر، واين الائتلاف، ومن قبله المجلس الوطني.

منطقة الشرق الاوسط لا يمكن ان تستقر في ظل التقسيمات الطائفية والعرقية التي تفرز ميليشيات وحكومات ضعيفة اقصائية هشة، ولا بديل عن فكر جديد يحارب هذه التقسيمات، ويؤسس للتعايش على ارضية المساواة والعدالة الاجتماعية للجميع وهو فكر غير موجود حاليا للاسف.

الحسم في مدينة تكريت ربما يكون ابعد مما يعتقده الكثيرون من الذين يريدون استعادتها، ومركة الموصل المنتظرة قد تكون اكثر تعقيدا وكلفة في آن، و”الدولة الاسلامية” تقوى رغم كل التقارير التي تقول عكس ذلك، وتتمدد في سيناء واليمن وليبيا وتونس ومنطقة الساحل الافريقي ونيجيريا لعومل كثيرة ابرزها اخطاء الآخرين، المقصودة وغير المقصودة.

ان اكثر ما نخشاه ان تكون امريكا تقف مع هذا الطرف تارة، والطرف الآخر تارة اخرى، في حروب المنطقة، من اجل استمرار النزيف الدموي والمالي للجميع، عربا كانوا ام ايرانيين، سنة كانوا ام شيعة، بالامس حشدت العالم كله ضد “الدولة الاسلامية”، واليوم تحذر من خطر “الحشد الشعبي”، وبالامس حذرت من النووي الايراني، واليوم تتعايش معه، وكذلك فعلت مع عراق صدام حسين، حيث تحالفت معه ثم انقلبت عليه.. متى ننتفض على هذا الغباء.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى