الوعود الكاذبة
إن الشباب الموريتاني اليوم بصرف النظر عن المستوى الثقافي الذي وصل إليه ونتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والتنموية في جميع مناحي الحياة، أو علي الأقل عدم إحرازها للتقدم المطلوب لمواكبة تحديات العصر وتفاقم البطالة بات يعاني من مشاعر الإحباط و اليأس والتراجع في الحضور السياسي و الثقافي على الساحة الوطنية، الأمر الذي أدى إلي ضياع هذه الفئات الشابة وتصاعد مشاعر السخط على عموم الأوضاع المعيشية والاجتماعية السائدة
ومن العوامل المهمة التي أحدثت هذه التحولات في صفوف الشباب ما يحدث من تغيرات سياسية أو ما يسمي ديمقراطية من جانب وهيمنة النظام الاستبدادي الحاكم وما أحدثه من فقدان الثقة والتمزق من جانب آخر ، فقد لعب دورا بارزا في تشتيت عقلية الشباب والقضاء عليه بعدم قدرته علي مساعدته في اكتشاف قدراته واهتماماته وتوفير الحد الأدنى لحياة كريمة يشعر فيها بالاستقلالية وأنه في موقع يؤثر منه ويتأثر .
والشباب هو ثروة الأمة الحقيقية فهم رجال الغد والأمر -لا محالة- آئل إليهم شاء من شاء وأبى من أبى وهذه الثروة تعتبر سلاحا ذا حدين إذا لم تستثمر من طرف النظام ستجد من يكتشفها وتعمل لصالحه وتنصهر في بوتقة العمالة والتآمر علي النظام والوطن مع قوى خارجية لا يهمها سوى مصالحها الذاتية . فما يورده البعض اليوم من أنصار نظرية المؤامرة من أن شباب شبكات التواصل الاجتماعي في مصر التي أطاحت بالنظام قد احتضنته أمريكا بالتكوين والتمويل والرعاية حتى الوصول إلي الهدف المنشود .ولديهم أدلة كثيرة ومسوغات مقبولة يبررون بها ما ذهبوا إليه.
فالشباب يجب أن يكون محط أنظار النظام؛ سيما إذا كان متعلما، وشابت مفارقه بين الطاولة والسبورة وهذا ما لم تحدث بوادره ولن تحدث فيما نرى ، فعند ما قام شباب 25 فبراير بتحريك المشهد الموريتاني بالكتابة علي صفحاتهم في الفيس بوك <ساكت لاش> والتظاهر في ساحة ّبلوكات ّ و المطالبة برحيل النظام سارعت الدولة إلى جملة من الإجراءات التي ظهر زيفها لاحقا وذلك بالإعلان عن خلق العديد من فرص العمل وقد أعلنت الوزارة الأولي في أول اكتتاب لها علما بأنها ليست صاحبة الاختصاص أصلا ،أنه سيتم تنظيم مسابقة خلال شهر مارس المنصرم لاكتتاب 250 إطارا وبعدها بأيام أعلنت المدرسة الوطنية للإدارة في إعلان يتسم بالضبابية والخجل أن هذا الاكتتاب سيتم قريبا وهو مالم يحدث حتى كتابة هذه السطور.
ومن المعلوم أن هذه المدرسة قد غيرت اسمها إلي اسم فضفاض وما ذاك إلا تركيز منها علي الشكل وإهمال المضمون الذي هو السمة المميزة لمديرها الحالي الذي لا يحظى بإجماع على أنه الرجل المناسب في المكان المناسب نظرا لسجله غير الناصع في مجال التسيير.
وعند مااكتشف أصحاب الشهادات العليا والدكاترة المؤهلون لخوض غمار هذه المسابقة أن هذه الوعود تدخل في سياسة التسويف المتبعة من قبل النظام دخلوا في اعتصامات فأحالهم الوزير الأول إلي وزير الدولة المكلف بالتهذيب وعهد إليه بتسوية وضعيتهم من خلال دمجهم في مؤسسات التعليم العالي وأخذ الوزير يعدهم ويمنيهم وما يعدهم إلا غرورا . وبعد أيام صدر إعلان يتسم بنفس الخصائص و المميزات لمسابقة يتضمن اكتتاب 60 أستاذا في التعليم العالي من أصل 400 دكتور ما أعطي إشارة واضحة لتنامي نفوذ لوبيات الفرانكفونية المتغلغلة في مفاصل الدولة .
فتوجهوا صوب رئاسة الجمهورية مصممين علي إيصال أصواتهم لمن يتربع علي قمة هرم السلطة وبعد الدخول في دوامة من الضحك علي الذقون كان أبطالها والي أنواكشوط ووزير الداخلية بدا واضحا لهؤلاء تصميم الشباب علي مواجهة الرئيس وهذا ماتم لهم بالفعل في لقاء دام لمدة ساعة ونصف .وقد اكتفي السيد الرئيس في هذا اللقاء بأن يقترح عليهم أن يتوجهوا إلي التكوين المهني هذا الاقتراح الذي أثار حفيظة بعض الشباب الذي أفنى أعماره في التحصيل المعرفي والبحث العلمي كلما بحثوا عن عمل يناسبهم ويناسب المؤهل الذي تحصلوا عليه يشير إليهم من يفترض أنه علي وعي بما يعانون منه بالتوجه إلي تعلم فن اللحامة وإصلاح المكيفات والثلاجات المتعطلة والسيارات المتهالكة وتعلم أبجديات إدخال المياه والكهرباء إلي المنازل والمحلات .
ولم يكتف عند هذا الحد بل تجاوزه إلي النيل من العلوم الإنسانية و التقليل من قيمتها وشأنها معتبرا إياها لا تقدم ولا تأخر ولا تساهم في بناء الدول وأن الدولة ليست بحاجة إليها ناسيا أو متناسيا أنه لم تحدث أي نهضة في مجتمع حقيقي إلا وهي معززة بظهير وسند قوي من الباحثين في مختلف مجالات العلوم الإنسانية من فلسفة ولغة وتاريخ واقتصاد وقانون ……الخ
فهل لنا أن نتصور قيام دولة بالمعني الحديث وهي خاوية علي عروشها من اقتصاديين منظرين أو من قانونين عن طريقهم تتم قوننة وإخضاع الحياة العامة بما فيها أجهزة الدولة لقانون يحكمها وإلا خضعت لقانون الغاب و هذا المثال يجد طريقه للتطبيق على كافة العلوم الإنسانية الأخرى .
وقد أرجع البعض منهم السر في عدم الاهتمام بهذه الشريحة غير المرغوب فيها إلي صراع أهل التخصصات <فكل يغني على ليلاه >فالتكوين المهني قد يكون في نظر البعض هو السبيل إلي النهوض بالدول فهو بالغ الأهمية لكنه من التجني بمكان علي العلوم الأخرى أن نستعيض به عنها فهذا ما لايقبله المنطق السليم .
وفي محاولة من السيد الرئيس إلي صرف أنظار ممثلي الشباب عن طرح رؤاهم وتصوراتهم لحل شامل غير مجزإ وجه إليهم سؤالا قائلا هل أنتم علي علم أن بضعة آلاف من عمال الصندوق الوطني للتأمين الصحي تم اكتتابهم علي أساس شهادات مزورة متناسيا أن 50%من عمال الدولة لايحملون أية مؤهلات تخولهم مزاولة الوظائف العامة المنوطة بهم ومع ذلك قد زاحمت على وظائف بالغة الأهمية والخطورة
فأنا أري أن الذين يحملون شهادات مزورة قد اكتسبوا مراكز قانونية عن طريق ما يسمي بالتقادم المكسب فهم يقعون في منزلة بين المنزلتين علي الأقل يدعون أن لهم شهادات وتخصصات فما بلك بالذين تم اكتتابهم علي أساس شهادة الجنسية وعقد الازدياد وهم في مركز صنع القرار .
وقد ختم هذا اللقاء بوعد من رئيس الجمهورية أن مشكل الدكاترة سيجد طريقه إلي الحلحلة من غير تحديد زمان ولا مكان لذالك و أن المسابقة سوف تجري دون الخوض في التفاصيل .
بهذا ستكون ثاني مسابقة بهذا الحجم في ظل هذا النظام فقد سبقتها مسابقة اكتتاب خمس مائة موظف في سنة 2009 ربطها البعض آنذاك بالحملة الانتخابية للسيد الرئيس الذي قال إنه سيتم اكتتاب خمس مائة كل سنة لمدة خمس سنوات قادمة.
وقد سلمت من النقد على مستوي الشفافية؛ لكن شابتها عيوب جوهرية يري البعض أنها أفضل منها عدم الشفافية والنزاهة فقد طرحت إشكاليات متخصصة للمعالجة لا وجود لها إطلاقا حسب الدارسين والباحثين من أهل الميدان
فعلي سبيل المثال كنت أحد المشاركين في مسابقة كتاب الضبط الرئيسين فبدأت القصة عند ما فتح رئيس لجنة الامتحان الظرف الذي يحويه وكان السؤال كالتالي: ّالخطأ الجوهري ّ
عادت بي الذاكرة إلي سنة 2004 حيث كنت غارقا في إعداد بحث التخرج تحت عنوان ّالتمييز بين المسؤولية العقدية و التقصيرية ّوالخطأ طبعا هو الذي يؤسس لقيام هاتين المسؤوليتين .
فلم تسعفني الذاكرة في استحضار الخطأ الجوهري في جميع تلك الكتب و الرسائل التي استعنت بها علي البحث فتناولته من زاوية الخطأ فقط.
وعندما خرجت من القاعة وسمح لي بتفعيل الهاتف اتصلت على الدكتور سيد المختار ولد سيدي وأخبرته بالموضوع للإشارة فهو الأستاذ الذي أشرف علي رسالة تخرجي وفي استغراب واستنكار شديدين قال : هذا غير معقول نهائيا الخطأ الجوهري لا وجود له في القانون إطلاقا إذ يوجد الغلط الجوهري وهو عيب من عيوب الإرادة والخطأ والغلط لا يمكن الخلط بينهما وذلك لدقة المصطلحات .
فكتبت هذه الهامة الحقوقية إلي اللجنة الوطنية للمسابقات تخطرها بالموضوع فكان ردها كالأتي : السؤال تمت صياغته من طرف رئيس اللجنة وهو دكتور خريج جامعة السربون بفرنسا فكان في ذلك الاستفزاز محفز له على إجراء مقارنة بين جميع القوانين الموريتانية وقوانين دول المغرب العربي ومصر وفرنسا التي تناولت الخطأ وخلص إلى حقيقة مؤسسة على النصوص مفادها إن الخطأ الجوهري غير موجود وقال في مقاربته الشهيرة أن من أثبت له عكس ذلك فسيقدم استقالته من هيئة التدريس ويعوض للجامعة ويعتذر لكل طالب درسه ويأخذ إجازة مفتوحة من هيئة المحاماة ويرجع لموكليه ما أخذه منهم في أتعاب المرافعات .
وعندما اقتنعت اللجنة أنها تطارد سرابا استبدلت الخطأ بالغلط وتم التصحيح على أساس إشكالية الغلط الجوهري.
فمتى ينجز النظام وعوده على أرض الواقع دون أن تشوبها أخطاء وأغلاط جوهرية ؟.
بتاريخ 18/04/2011
أبوبكرن ولد احمد ولد الشيخ
eboubecrine2010@yahoo.frالبريد الالكتروني: