إلى التواصليين في مؤتمرهم الثاني

لا أنتمي لحزب “تواصل”، ولكني مع ذلك سأتابع أعمال مؤتمره الثاني باهتمام كبير، لن يكون أقل من اهتمام التواصليين أنفسهم، سواء منهم من سيشارك في المؤتمر، أو من سيكتفي بمتابعة أعمال المؤتمر من خارج قصر المؤتمرات.

سأتابع أعمال المؤتمر باهتمام كبير، لأني أزعم بأني من الذين يتمنون النجاح لتجربتنا الديمقراطية المتعثرة حتى الآن، ومن الذين يؤمنون بأن هذه التجربة لن تنجح إلا بوجود أحزاب قوية. ومن هنا جاء سر اهتمامي بحزب “تواصل”، والذي سيبقى ـ وحتى إشعار آخر ـ على رأس الأحزاب الموريتانية التي يمكن أن يُعَول عليها في المستقبل، وذلك لما يمتلك هذا الحزب من قدرات هائلة، ومن فرص عديدة، لم يتم استغلالها ـ حتى الآن ـ استغلالا كاملا.

وإن حرصي على نجاح المؤتمر الثاني لتواصل، والذي أدعي بأنه ليس أقل من حرص التواصليين أنفسهم، سواء صدقوا ذلك أو لم يصدقوه، هو الذي جعلني أتقدم بهذه الورقة كمساهمة من خارج الحزب في أعمال مؤتمره الثاني.

وسأكتفي في هذه الورقة المعدة على عجل، بتقديم بعض المقترحات دون ترتيب أو تبويب، وذلك من خلال النقاط التالية:

أولا، على المؤتمرين أن يضعوا أهدافا محددة وواضحة للحزب خلال السنوات الخمس القادمة، وذلك حتى يكون بالإمكان محاسبة القيادات الجديدة في نهاية مأموريتها، محاسبة دقيقة على أسس ومقاييس واضحة ومحددة.

فعلى المؤتمرين أن يحددوا الموقع الذي على الحزب أن يحتله خلال السنوات الخمس القادمة، فهل يريدون للحزب أن يحتل المرتبة الأولى أم الثانية أم الرابعة أم؟ وإلى أي رقم يجب أن يصل عدد المنتسبين للحزب؟ وكم من المجالس البلدية التي سيسعى الحزب لترؤسها؟ وكم من النواب والشيوخ على الحزب أن يتحصل عليه في الانتخابات القادمة؟

ثانيا، على المؤتمرين في مؤتمرهم الثاني أن يضعوا آليات واضحة لتجسيد البعد الأخلاقي في العمل السياسي للحزب، والذي يجب أن لا يظل مجرد شعار يتم الحديث عنه بمناسبة أو بغير مناسبة.

إن البعد الأخلاقي يجب أن يصبح سلوكا في كل فعل سياسي يقوم به الحزب، ولن يحصل ذلك إلا من خلال:

1 ـ إن على المؤتمرين أن يخرجوا بقرارات واضحة تجرم استخدام العبارات البذيئة أو الاستعانة بأي كلمة سب أو شتم ضد أي خصم سياسي مهما كانت طبيعة ذلك الخصم، وعليهم أن يوضحوا لبعض الشباب المتحمس بأن استخدام مثل تلك العبارات يعتبر إهانة للحزب، من قبل أن يكون إهانة للخصم. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يُظهر الحزب أي ضعف أثناء مواجهته لخصومه السياسيين، فكل ما في الأمر هو أن هناك فرقا كبيرا بين الحجة القوية والجرأة على التلفظ بالكلام الجارح والبذيء.

2 ـ على الحزب أن يبتعد مستقبلا عن كل ما يمكن أن يفهم منه أنه قد يكون تذبذبا في المواقف، أو يمكن أن يفسر على أنه مجرد سعي لتحقيق مصالح حزبية ضيقة وآنية ( المشاركة في حكومة مطبعة، الترشح للرئاسيات بصفة مستقلة من خارج عباءة الجبهة الوطنية للدفاع من أجل الديمقراطية، التنسيق مع الحزب الحاكم في التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ….).

3 ـ لا شك في أن حزب تواصل يقوم بجهد تطوعي وخيري متميز من خلال منظمات ذات صلة بالحزب، ولكن ذلك لا يكفي لوحده لإضفاء بعد أخلاقي على العمل السياسي للحزب. ولذلك فعلى المؤتمرين أن يخرجوا من مؤتمرهم الثاني بنظرة مختلفة للعمل السياسي، تنظر إلى ذلك العمل بوصفه ليس إلا مجالا فسيحا من مجالات العمل الخيري والتطوعي، وأن الغرض منه ليس تحقيق مصالح خاصة آنية، وإنما الغرض منه تحقيق مصالح عامة من خلال التضحية بمجوعة من المصالح الخاصة. ومن هذا المنطلق فقد يكون من المهم جدا أن يكون من متطلبات العضوية للحزب، استعداد العضو للتبرع بساعة من وقته كل أسبوع، أو كل شهر للخدمة العامة، وهو ما سيمنح الحزب القدرة على تنظيم أنشطة تطوعية ودورية خاصة بالحزب، وتقتصر المشاركة فيها على المنتسبين العلنيين للحزب.

ثالثا : على المؤتمرين أن يخرجوا من مؤتمرهم هذا بصيغة تجعل الحزب أكثر تحمسا للدفاع ضد التهميش الذي تعاني منه اللغة العربية في الإدارة.

لقد لوحظ تقصير كبير للحزب في هذه الجزئية ( لم يوجه نواب الحزب رغم أنهم وجهوا أسئلة عديدة سؤالا واحدا لصالح اللغة العربية، وتركوا السؤال عنها، والانتصار ضد تهميشها لأحد نواب الحزب الحاكم. كانت مداخلة النائب جميل باهتة بعد المداخلة الشجاعة للنائب سي صمبا بالبولارية، والتي كان يمكن استغلالها ضد اللغة الفرنسية لأن تعزيز مكانة اللغات الوطنية، وفرضها داخل البرلمان سيكون لصالح العربية، وسيكون على حساب الفرنسية. وحتى في يوم اللغة العربية فقد لاحظت غيابا شبه كامل لمناصرة اللغة العربية من طرف شباب تواصل في مواقع التواصل الاجتماعي، مع أن ذلك يجب أن يكون هو الحد الأدنى من المناصرة، وذلك في الوقت الذي يُظهر فيه ذلك الشباب تحمسا زائدا لخطابات مرسي، أو لأمور أخرى قد يكون الاهتمام باللغة العربية أولى منها).

فعلى الحزب أن يخرج بعد مؤتمره الثاني بخطاب أكثر وضوحا، وأكثر قوة في هذه الجزئية، وأن يبين بأن الاهتمام باللغة العربية ليس موجها ضد أي عرق أو ضد أي شريحة من المجتمع الموريتاني.

إن على تواصل أن يناضل في المرحلة القادمة، بلغة فصيحة وصريحة ضد التهميش الذي تعاني منه لغاتنا الوطنية (العربية، البولارية، السنونكية، الولفية)، والذي لا زالت تستفيد منه لغة المستعمر، تلك اللغة التي تشهد تراجعا وانحسارا لافتا على الصعيد العالمي.

رابعا، على المؤتمرين أن يبحثوا عن آليات تساعد الحزب في المستقبل إلى التوصل إلى أفكار ميدانية تزيد من اللحمة الوطنية بدلا من الاكتفاء بخطاب سياسي يمجد تلك الوحدة.

ففي مسألة العبودية مثلا، على الحزب أن يعلم بأن مرحلة النضال السياسي أو النضال الحقوقي ضد الرق لم تعد هي الأهم في هذه المرحلة، رغم أنها لا زالت مهمة، ولازالت أساسية.

إن التركيز في السنوات القادمة يجب أن يوجه إلى “النضال التنموي” ضد العبودية، وعلى الحزب أن يكون رائدا في هذا المجال، وذلك من خلال إعطاء الأولوية في جهوده التطوعية والخيرية للنضال التنموي ضد العبودية، وعليه أن يوصي في مؤتمره الثاني بضرورة تنظيم قوافل تطوعية إلى بعض قرى آدوابة تفتح فصولا لمحو الأمية، وتنظم أنشطة تنموية أخرى ليس هذا المقام مناسبا لبسطها.

خامسا: أن يفكر المؤتمرون في إيجاد آليات وصيغ تمكن من التغلب على المعضلة التي تعاني منها الأحزاب الموريتانية، والتي تتمثل في عدم قدرة تلك الأحزاب على التفكير من أجل الصالح العام، فمشكلتنا في هذا البلد هي أننا لا نستطيع أن نستغرق في التفكير لدقائق معدودة في قضية عامة، وأننا لا نستطيع أن ننتج أفكارا قابلة للتجسيد الميداني من خلال الوسائل والإمكانيات المتاحة، لذلك فمن الضروري جدا أن يضع الحزب آليات تشجع منتسبيه على البحث عن مثل تلك الأفكار، وعلى التنافس بين مناضليه من أجل الوصول إليها.

سادسا: أن يفكر المؤتمرون في وضع تصورات وآليات تمكن الحزب من استقطاب منتسبين من خارج “شعبيته التلقائية”، مع العمل الجاد من أجل استقطاب شخصيات وطنية شريفة من خارج “الخريطة” التقليدية للحزب، ذلك أن الحزب لا يزال غير قادر ـ رغم تميزه ونجاحه ـ على استقطاب مثل تلك الشخصيات.

وفي المقابل فعلى الحزب أن يترك أبوابه مغلقة في وجه أي موريتاني في سجله الوظيفي أي شبهة في مجال التسيير، أو شارك من قبل في أي نشاط قبلي أو جهوي علني له صبغة سياسية، أو عرف عنه أي توجه عنصري، أو أي دعوى عرقية ضيقة، أو عرف “بالخفة السياسية”، وبكثرة الترحال السياسي.

إن هناك تغييرات عميقة تحدث الآن داخل المجتمع الموريتاني ستكون لصالح حزب “تواصل”، إن تمكن الحزب في مؤتمره الثاني من قراءتها قراءة فطنة، وإن هو وضع الآليات والتصورات التي يمكن أن تساعد في استغلال تلك التغيرات استغلالا ذكيا. وإن من بين تلك التغييرات ما حصل من تطور في الوعي السياسي لدى الموريتانيين خلال السنوات الأخيرة، نتيجة للهزات العنيفة التي شهدتها البلاد، ونتيجة كذلك لما تشهده المنطقة العربية من تحولات كبرى. ومن بينها أيضا، أن النظام الحالي لعب ـ بقصد أو بغير قصد ـ دورا كبيرا في إضعاف دور رجال الأعمال والوجهاء وشيوخ القبائل في التأثير على الحياة السياسية، وذلك بعد أن سلب منهم الكثير من الصلاحيات والامتيازات التي كانت تمكنهم من التأثير بشكل قوي على الحياة السياسية، وعلى المشهد السياسي في البلاد.

إن الأخذ بتلك التغييرات، والعمل من أجل وضع الآليات اللازمة للاستفادة منها، يجب أن يكون على رأس أولويات التواصليين في مؤتمرهم الثاني.

فهل سيستفيد التواصليون في مؤتمرهم الثاني من أخطاء الماضي، ومن التغييرات الحاصلة في المجتمع؟ ذلك ما أرجوه، وذلك ما أتوقعه أيضا.

تصبحون على مؤتمر ناجح…

محمد الأمين ولد الفاضل

رئيس مركز ” الخطوة الأولى” للتنمية الذاتية

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى