مبارك … والهروب إلى الوراء

لم تفلح المماطلة و لا المناورة و لا عمليات لي الذراع المختلفة التي مارسها النظام المصري البائد فى امتصاص غضب الشارع الثائر.. و لا في إخماد جذوة النقمة الشعبية التي أصبحت تزداد و تتسع مساحتها في كل المحافظات المصرية يوما بعد يوم.


و لم تستطع سياسة اللعب على الحبلين إقناع المحتجين الثائرين بالتنازل عن مطلبهم الوحيد “إسقاط الرئيس” فتارة مطالب المحتجين مشروعة ..و تارة وعود عسلية من خلالها ستصبح المحروسة فردوسا أزليا … و تارات تجنح تلك السياسة للغة التصعيد و التهديد لن نبدأ الحوار ما لم يعد المحتجون إلى منازلهم.. لن أغادر السلطة حتى تنتهي مأموريتي في سبتمبر المقبل….

و قبل هذا وذاك إقالة الحكومة.. ووعود بإصلاحات شاملة.. و أثناءه استقالة أحد أعضاء الحكومة…وبعده كذلك استقالة أحد أعضائها و كأن قدر الثورة المصرية أن تظل طغمة الرئيس و حاشيته تملى على سدنتها شروط الحوار أو الإصلاح .. أو … لتحجيم مدها الثوري و تقزيم أدائها البطولي بثنائية الترغيب و الترهيب تلك الثنائية التي أثبتت فشلها الذريع في شتى مجالات الحياة على وجه البسيطة.

و قد فات هؤلاء و أولئك أن الثورة ليست قفزة نحو المجهول و ليست تجاوزا و لا تخط لثوابت أمة أبت إلا أن تلفظ حكم طاغية مريد عبوس مشمئز قمطرير..وتتتالى بعد ذلك النعوت .. و أن الثورة تستطيع تذليل الصعاب و قهرها.. وأنها لن تستسلم لمن يريد وأدها فى مهدها ..و أن تلك السياسة كانت محكا حقيقيا ظهر من خلاله مدى تماسك المحتجين و تراص صفوفهم المنكب بالمنكب و الساق بالساق حتى لم يبق للشيطان بلد.

لم تفت تلك الوعود و لا تلك التهديدات في عضد الثورة المباركة، تلك الثورة التي لم تعبأ بمن أرادوا أن يسرقوها و يتبنوها لكي يبيعوها في المزاد العلني حينما جلسوا للحوار إلى جانب نائب الرئيس دون أن ينتدبوا لذلك و دون أن يعلموا أنهم بذلك الفعل المشين المخجل قد طعنوا الثورة من الخلف و أنهم قلبوا لها ظهر المجن في ذلك اليوم المشهود “أحد الشهداء” أول أيام الصمود تلك الأيام التي لم تمض حتى أتت أكلها ضعفين.

لم تحفل كذلك الثورة الميمونة “ببلطجية النظام” و لا برجال الأمن بالزي المدني و لا العسكري القناصة المحترفين و القتلة المأجورين و النهبة المتمرسين و ياللمفارقة في المأثور المصري (حاميها حراميها).

ساعة الحسم أزفت و أيقن الدكتاتور المستبد أن أبناء الثورة و بناتها وبناتها استلهموا الدروس و العبر من الجارة تونس الخضراء و أنهم جعلوا قول أمير الشعراء أحمد شوقي نبراسا و دليلا لهم:

و للأوطان في دم كل حر = يد وسلفت و دين مستحق

و للحرية الحمراء باب = بكل يد مضرجة يدق

ففهم هو الآخر على غرار سلفه و غادر غير مأسوف عليه .

رسالة الثورتين المباركتين التونسية و المصرية مؤداها أن الشعوب لن تتفرج على خيراتها تنهب و تسرق و تستنزف دون أن تحرك ساكنا … و مفادها أن الحديد و النار لا يحكمان و لا يسوسان فالحكم يستقيم على الكفر و لا يستقيم على الظلم.. ومضمونها أن ثورات الجياع و المضطهدين و المحرومين أطول نفسا و أحكم تنسيقا و أشد إقناعا و مصداقية و مشروعية من ترهات و أباطيل العابثين بالشعوب الضاحكين على ذقونهم.. ووجهتها الحاكم العربي من المحيط الى الخليج وسيستوعبها – لامحالة –مهما كانت سطحيته وسذاجته.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى