جامعة الدول العربية : الله يستر من الإعلام العربي

قمت بعمل استفتاء خاص، لمجموعة من الأصدقاء العرب، وسألتهم بشكل مباشر:

هل تحب رئيس أو ملك دولتك ؟ ثم هل تحب رئيس أو ملك دولة عربية أخرى ؟
وسألت بالاسم وناقشت الأسباب، أي أقول للمصري مثلا : هل تحب حسني مبارك؟ طيب، وهل تحب الملك عبدالله، ملك الأردن ؟ او ملك السعودية ؟ أو أمير قطر ؟ أو الرئيس السوري..الخ،

الإجابات في معظمها قالت إن معظم العرب يحبون رئيسهم، باعتباره رمزا وطنيا، ويثمنون خطواته واعماله، ويجدون له الأعذار في بعض أخطاءه، إن وجدت، ولكن الصدمة التي لم أفهمها أن كثيرين منهم لا يحبون رئيس دولة عربية أخرى، فباتت المسألة غير مفهومة، وكأن هذه القضية تتعرض لعوامل كثيرة قد أدت إلى حدوث حالة من الفصام داخل كل شخص عربي، طبعا نحن الشعوب نرى المسألة بالعكس، نقول أن الانفصام “فوق”، لكن في حقيقة الأمر هناك انفصام “تحت” تسبب فيه أناس ليسوا تحت ولا فوق.. طبعا فاهمين ..

المهم، ليس موضوعنا كيف أن الإعلام العربي والمؤسسات الحكومية والأمنية والمواقف المتناقضة قد ساهمت في تشكيل وجدان المواطن العربي تجاه الأشقاء العرب، ولكن الآراء التي أحببتها فعلا، ورأيت فيها أملا كبيرا، هي للفئة الثالثة، وهي تلك التي تعزف على الجانب المشرق، وترغب في بث التفاؤل، آملا في الوحدة العربية أو على الأقل رحمة بالأجيال القادمة، التي وضعناها- وهذا موضوع مقال قادم- في “خانة اليك” ، فولدوا مشوشين لا يعلمون شيئا عن تاريخهم ولا يعيرون حاضرهم اهتماما، وقد قال لي البعض، أنه يحب كل الزعماء العرب، فقلت له حتى معمر القذافي، قال : أكثر واحد معمر القذافي.

بصراحة سألته لماذا؟ فقال: لأن الناس الذين يكرهون زعيم دولة عربية أخرى، ليس لديهم أي إحساس بالعروبة، فقلت له: أي عروبة، هل ما زال هناك من يتحدث عن العروبة؟ غير معقول.. فقال: على العكس، أنتم اهل الإعلام، لا تعلمون شيئا عن الشارع العربي، فإذا قررتم تبني قضية ما والكتابة عنها، يبدأ ظنكم أن الناس قد اقتنعوا بما كتبتم، وتتصورون ان هذا قد حدث فعلا، وتعلق في وجدانكم تلك القناعة المكذوبة، الناس في الوطن العربي ما زالوا يعشقون العروبة، عشقا خالدا لا يتغير ولا يتبدل، قال آخر، في جلسة واحدة: كلامه صحيح، هل تصدق أنني احب عمرو موسى كثيرا، وأتابع نشاطاته، وأدعو له بالتوفيق، ومع ان الناس تقول أن كل هذه الإجتماعات والمؤتمرات “على الفاضي” فنحن لا نرى ذلك ونرى أن محاولات عمرو موسى ، فيها بريق أمل كبير، فقل لي انت كإعلامي … ما ملاحظاتك على عمرو موسى..!!؟

صدمني السؤال..، حقا، شعرت لأول مرة في حياتي أنني في مواجهة مع الحقيقة، فقلمي لم يتوقف منذ عشرين عاما عن النقد اللاذع لأي شخصية عربية ومتابعة الأخطاء والعثرات والتلويح بالفشل، وتمهيد الطريق إليه، شأني شأن كل الأقلام العربية التي لا تريد أن تتهم بالتطبيل والتزمير، وترى ان الإصلاح يكمن في المكاشفة والمصارحة وذكر الحقائق، لكن من وجهة نظر من؟ لكني فعليا لم أفكر بما يمثله عمرو موسى، بعمق، … عمرو موسى… فعلا فلو تمعنت في كل من يمثلهم هذا العربي، لتجدنهم غارقين بالهم العربي وهموم المصالحة والوحدة، وان حياتهم كلها سعي جاد وحثيث لتحقيق شيء ذا قيمة للناس، وأن هذه المؤتمرات، التي كنت أراها ويراها أهل الصحافة أنها بلا قيمة، وانها لا تقدم ولا تؤخر، كانت في الحقيقة جهدا كبيرا لأن يلتقي أصحاب القرار، لتقريب وجهات النظر، وتشكيل قوى ضغط، نراها نحن غير مؤثرة مع امريكا واسرائيل والعالم، ولكنها على أرض الواقع ذات مفعول، وأننا نحن فقط من جعل الناس يعتقدون سلفا أنها بلا قيمة، ثم صورنا ذلك بشكل إقليمي قُطري خبيث، ليبين كل منا، بأي طريقة، أن بلده ووطنه كان له مواقف عظيمة في مثل هذه المؤتمرات لكن غير “بلد الكاتب” كان بلا قيمة، فظهر كله بلا قيمة، وفقدت هذه الخطوات والنشاطات، أهميتها لدينا ولدى الناس.

الناس تحلم بالعروبة، وبالوحدة، ويرون ان الأمل موجود، عمرو موسى يحلم ويرى أن الأمل ليس موجودا فحسب، إنه يراه على بعد خطوة واحدة فقط، فيستيقظ في الصباح نشيطا وبهمة عالية، ويذهب إلى مكتبه في جامعة الدول العربية، وهو يردد لنفسه، اليوم سنعود كلنا عربا، اليوم سنحقق المعجزة، اليوم … الله يستر ..من الإعلام العربي… ومن الأحكام المسبقة..!!

* روائي وكاتب صحفي
Jalal.khawaldh@yahoo.com

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى