الإصلاح ومجتمع السيبة في فكر الشيخ محمد المامي بن البخاري ح1

09-16.jpgقبل الدخول في صلب الموضوع لا بد أن نخصص حلقة للبئة الاجتماعية والاقتصادية التي احتضنت الشيخ محمد المامي وساهمت في بلورة رؤيته الإصلاحية في مجتمع السيبة
ويعني ذلك تحديدا تقديم المجتمع البركي الذي أعتقد أن خصائصه الاجتماعية والاقتصادية ضمن الفضاء البدوي الشنقيطي شكلت نوعا من التميز جدير بالبحث والدراسة
باركل ومرحلة التأسيس : رغم شحة المعلومات التي نملك عن تفاصيل موقف باركل بن إحمد بزيد من حرب شرببه التي رفض
دعم موقف أبناء عمه المنخرطين فيها فإن الحكايات والمرويات تؤكد أن الرجل اتخذ موقفه عن وعي وواجه في سبيله صعوبات
وصلت حد تهديده بالقتل من طرف أبناء عمه وبعد أن كسب الرجل الملف المتعلق برفضه للمشاركة في الحرب غادر البلاد
الشنقيطية مصطحبا زوجته ومن ولد من أبنائه يومئذ متجها إلى الحج
وتؤكد قصة حج الرجل أنه توقف بمنطقة توات الواقعة بالجزائر
حيث ترك عياله هناك
بعد ما أكمل باركل حجه وعاد إلى القطر الشنقيطي بدأ في تأسيس إطار اجتماعي مستقل
عن أبناء عمه يقوم على تحقيق الأهداف التالية التي ستصبح فيما بعد مبادئ وأسسا تقوم عليها ايديولوجية القبيلة
أولا :مبدأ السلام والعلاقات الطيبة مع سلطتي السيف والقلم
وذلك من خلال المداراة لأصحاب السلطة من أهل الشوكة وبذل العطايا كذلك لكل من يعيش في كنف السلطتين من ذوي التأثير الإعلامي من شعراء وفنانين وقادة رأي المداراة في هذا التوجه سياسة مقصودة لمدافعة أهل الشوكة ولتحقيق الإستقلال والتميز لكنها ستتحول إلى بذل لا يقتصر على الاستجابة لدواعي المروءة وإنما هي ايديولوجية ستصبح مع الوقت جزءا من تفكير المجموعة وعادة من عاداتها الراسخة التي تميزت فيها
ثانيا مبدأ إعمار الأرض : وهو مبدأ ينطلق من وعي اقتصادي واضح فمن يملك الآبار يتحكم في مصادر المياه و يكون شريكا فعالا في السلطة في مجال صحراوي تلعب الثروة المائية فيه دورا حيويا
ثالثا :خلق قوة عاملة كبيرة تابعة قادرة على جمع الثروة وتنميتها وحفر الآبار والقيام بالخدمات المنزلية وبالإضافة إلى هذه الأهداف ركز باركل في أبنائه ثقافة مجتمع الزوايا القائمة على التميز المعرفي ومن هنا تواصل العلم في أبنائه بل إن أول إجازة مكتوبة حصل عليها عالم موريتاني هي آجازة محمد بن ناصر الدرعي لمسكه بن باركل

وعلى كل حال فإننا لو تفحصنا هذه الأهداف الثلاثة إضافة آلى العامل الثقافي
لوجدناها مفاتيح أساسية للسلطة ووجدنا أن من حققها ملك زمام نفسه واستقل عن غيره
كان خلاف باركل مع أبناء عمه حول شرببه ومضاعفات موقفه من تلك الحرب العامل الأساسي الذي جعله يفكر في خلق الفضاء
الاجتماعي الخاص به
وقد أوصلته عبقريته السياسية آلى أن من حقق الأهداف السابقة
ملك مفتاح التميز
ورغم أن الولي الصالح والرجل المتميز حقا أحمد بزيد ترك لابنه باركل مكانة اجتماعية كبيرة فإن المرويات الشفهية والكتابية
لا تقدم باركل باعتباره رجل كرامات وخوارق وإنما تقدمه رجل تدبير وسياسة هكذا طغى جانب التدبير والسياسة على الجانب العلمي من شخصية باركل
ما إن عاد باركل من رحلة حجه حتى شرع في تطبيق استراتيجيته فعمل على تأمين الخائفين بالفداء تارة وبالمجان تارة أخرى كما شرع في حفر الآبار ولا شك أن مكانة والده الولي الصالح أحمد بزيد أعطته رصيدا ومكانة كبيرة لدى سلطتي السيف والقلم
ولأن الله إن أراد أمرا يسر أسبابه
فقد رزق بأبناء متميزين قادة بالفطرة وهؤلاء الأبناء الثمانية الذين ساروا على نهجه مت بعده في الإعمار والمدارات واحتضان القوى العاملة هؤلاء الأبناء الثمانية المتميزين هم :
مسكه وعبد الله وحبيب الله ومولود والفاظل وبكرن والمداح
وألمين وقد كان لكل منهم مهمة خاصة به
لقد مكنت السياسة الاقتصادية والاجتماعية الخاصة التي انتهج باركل وانتهج أبناؤه من بعده من مد القبيلة بكم بشري كبير من القوى العاملة ( الأتباع ) التي تكفلت بجمع وتنمية الثروة الحيوانية في حين تكفل الأبناء الذين شكلوا بنية القبيلة بتأمين تلك القوى العاملة التي أصبحت مع الوقت أتباعا تأتمر بأمرالقبيلة وتعيش تحت كنفها وللتأكد من تلك التبعية فإن سلطة الأتباع على الأموال التي ينمون محل إشكال فهم من الناحية النظرية مالكو تلك الأموال غير أن تكفل الأسياد بأمنهم وتأمين ممتلكاتهم في مجتمع السيبةوتوفيرالأسياد للمياه التي لا غنى عنها خلق للأسياد سلطة واسعة على تلك الأموال ولإنصاف البركيين نقول إنهم لم يستخدموا سلطتهم لاضطهاد الأتباع يتجريدهم
من تلك الأموال التي سنجد إشكالية زكاتها مثار نقاش بين الشيخ محمد المامي ومحمد ولد محمد سالم
في الفضاء الاجتماعي البركي الذي أسس باركل سنجد أيضا نوعا من الاسترقاق يختلف عن الاسترقاق المعروف في القطر الشنقيطي فالأرقاء في المجتمع البركي لا يتعرضون لأي شكل من أشكال الإهانة البدنية ويتصرفون في ممتلكاتهم مثل
إن المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي أسس من خلالها باركل قبيلة احتلت مكانة
اجتماعية وثقافية واقتصادية كبيرة في فضاء جغرافي امتد من اكيد جنوبا إلى أعماق تيرس شمالا جدير ة باهتمام
الباحثين في الشؤون الاجتماعية عموما والباحثين في المنظومة القبلية الموريتانية بصفة خاصة
كما إن فهم هذه البيئة ومعرفة
مفاتيحها ومحدداتها قد يساعد إلى حد ما في فهم شخصية الشيخ محمد المامي
محمد الأمجد بن محمد الأمين السالم

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى