جوني ديب- آمبر هارد..حرب العشّاق المخملية التي تخفي حروب الشعوب الدموية  

بقلم: ربيعة جلطي
على الرغم من حال هذا الكوكب المسكين الذي ما فتئت تهزه الحروب، بأنواعها المختلفة، وترجُّه الأهوال والأوبئة، وتهدّده المجاعات، واستراتيجيات التجهيل، والتنافس على تسيُّد العالم، والاستبداد السياسي والاقتصادي، والتهديد النووي، وتدهور البيئة، وغضب الطبيعة، ويهدده خطر العبور نحو العدم في أية لحظة. على الرغم من هذا كله وذاك، إلا أن آلاف الملايين من سكانه، لم يبدُ عليهم الانشغال حياله، بقدر ما بدا عليهم وقد هزت شجونهم، في الأسابيع الأخيرة، حكاية “حرب صغيرة” أضحت عالمية. حرب “فتاكة” بين عاشقين سابقين أضحيا عدوين لدودين، هما الفنان الشهير “جوني ديب” وطليقته الممثلة “آمبر هارت”. جوني الممثل العالمي، والمخرج والمنتج السينمائي، والسيناريست والمغني، وعازف القيثار.
 لعل الإنسان لا تهزه القضايا الكبرى بقدر ما تحرك جوهره الأحداث والحكايات التي يشاهد فيها ظله، أو ما يشبه صورته وكأنه أمام مرآة.. هل يوجد في كل واحد شيء من جوني ديب أو ينقصه منه. وشيء من آمبر هارت أو ينقصه منها؟
لا شك فإن جوني فنان مبهر بحضوره وتمثيله وصوته، أليس هو من حبس أنفاس ملايين من عشاق السينما في العالم بسلسلة أفلام ومسلسلات لاقت شهرة منقطعة النظير؟ وحققت إيرادات مالية ضخمة، مكنته من امتلاك ثروة كبيرة. وممتلكات عديدة ومتنوعة منها جزيرة في باهاماس بمساحة 18 هكتار كأنها قطعة من الجنة.. فمَن لا يذكر من أعماله “إدوارد ذو اليدين من فضّة”، و “قرصان الكاراييب” وغيرهما؟
كان جوني الأمريكي متزوجا من الفنانة الفرنسية المعروفة «فانيسا بارادي”، عاشا أربعة عشر عاما في سعادة وانسجام “لا تنسى” -حسب شهادتهما معا -إلى أن دخلت الفتاة “آمبر هارت” حياة جوني.
 هكذا إذًا. ومثلما يقع في فيلم هوليودي يتابعه الملايين، تترك آمبر الفتاة الطموحة الجميلة مسقط رأسها “أوستن” بتكساس لترحل نحو نيويورك، ثم تحط في لوس انجلوس لتشارك إلى جانب مئات من الفتيات الحالمات في مسابقة مفتوحة لمحاولة افتكاك دور صغير في فيلم.  وأخيرا سيطلب المخرج من الممثل الشهير جوني -الذي سيقبل على مضض حسب تصريحه- أن يلقن الفتاة المبتدئة  كيفية أداء دورها، ويعلمها طريقة التحكم في حركاتها المسرحية المبالغ فيها، لأن ذلك لا يتماشى مع التمثيل السينمائي.
وكما في حكاية مثيرة ما، في فيلم مثير ما،  سينتهي الدرس ولكن العلاقة تتوطد، و يتم انفصال جوني عن “فانيسا بارادي” أمّ ابنته “لِيلّي روز” وابنه”جون جاك كريستوفر”، وعقد قرانه  على آمبر 2015 وبدأ حياة جديدة لم تستمر طويلا لتطلب الطلاق منه، وترفع ضده  دعوى العنف الأسري، وتعاطي المخدرات،  فتصبح آمبر بعد ذلك رمزا للنضال النسوي وضحية القهر الزوجي، فتقضي بذلك على مسار جوني المهني  الذي أصبح  يتهاوى عالمه مثل قصر من ورق، وتتمرغ سمعته في الرماد وتلطخ ويشهّر به على  أنه زوج عنيف ، ويمسي في القائمة السوداء في هوليوود كممثل غير مرغوب فيه. ويُخرَج من عالمه مثلما تخرج السمكة من الماء.
وفي مفصل أساسي من الحكاية يقرر جوني قول الحقيقة والمطالبة ببراءته أمام القضاء وأمام العالم.  الحقيقة التي أخفاها لسبب أو آخر والمتمثلة في أن طليقته آمبر التي ذكرت في مقال بصحيفة واشنطن بوست أنها ضحية عنف الزوج دون ذكر اسمه، هي نفسها العنيفة، تضربه وترعبه. وقد تسببت له بجروح عديدة أخطرها أنها قطعت أصبع كفه بزجاجة. طالب بخمسين مليون دولار تعويضا بينما طالبت طليقته آمبر ب 100 مليون دولار.
 ستة أسابيع في أروقة المحاكم في تبادل التهم عن العنف الجسدي والجنسي والنفسي.
حرب تمزق بين عاشقين سابقا وعدوين لدودين لاحقا. أسرت على المباشر ولمدة ستة أسابيع وما تزال قلوب أعداد هائلة من الناس، من كل القارات، واللغات، والثقافات، والأديان، والمعتقدات.  تابعوها بما توفر لديهم من وسائط التواصل الحديثة. دققوا في التفاصيل باهتمام بالغ من خلال نوافذ الهواتف المضيئة، عبر أصقاع الدنيا بمناطقها، الحارة منها والباردة. الملتهبة منها والصقيعية. الفقيرة منها والثرية. المستقرة منها وغير المستتبة أمورها والمزعزعة أحوالها.
تدور الرحى صاخبة داخل المحكمة، وتنقل عبر شاشة التلفزيون والكاميرات الداخلية التي تسمح بها محكمة فرجينيا بأمر من القاضية «بينيي أزكاراثي” بخلاف محاكم فدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية.  وتلمع المحامية الشابة “كاميليا فاسكيز” في الدفاع عن جوني، فتجر طليقتَه في جلسات مساءلة محرجة نحو الاعتراف بالأكاذيب.
 تميل الكفة نحو تبرئة جوني من خلال دراسة المرافعات والشهادات، وحضور علماء لغة الجسد، ونبرات الصوت، وخبراء تحليل الصور وتفريغ الكاميرات، واستدعاء عناصر من الشرطة كشهود، وعمال الفنادق، وحراس المنتزهات، وخبراء الماكياج، والصور، والفيديوهات، والمكالمات، والمراسلات المختلفة.
 رويدا رويدا يسود مناخَ المحكمة اقتناعُ الحضور بأن السيدة  آمبر هي الظالمة،  وكما يقول المثل الشعبي عندنا ( ضربْني وبْكا وسبقْني وشْكا ). تبدّى أنها كانت عنيفة تجاه زوجها تضربه وتعنفه وتسبب له الجروح، وتأكد أنها قطعت أحد أصبعه بزجاجة. وهي تعاني من أمراض نفسية كما جاء في شهادة طبيبتها. وتتوالى عملية تفنيد الأكاذيب واحدة واحدة التي روجت لها السيدة آمبر لمدة سنوات كان جوني يعاني ارتداداتها على مساره الفني بصمت.  قضت على مساره الفني وشوهت صورته كإنسان وجعلت الأصدقاء والمتعاملين والشركاء في المهنة يتخلون عنه.
  كيف تنقلب الصورة بين عشية وضحاها. كيف تتغير وكأنها خضعت لتعديل إلكتروني بارع.  هل هو الشعور بالذنب؟ هل هي محاولة طلب الصفح من رجل طالما أذاقوه المرارة؟
 يضجّ الشارع الأمريكي والعالم بعد المفاجآت والحقائق. يهرع الناس نحو باب المحكمة لساعات ينتظرون اقتراب مرور السيارة التي تقل جوني إلى المحاكمة. يصطفون. فرادى وعائلات. يأتون من كل فج عميق لمشاهدته ولو للحظات. أغلبهم نساء وشباب. شقر وسمر و سود وبهندام أوروبي وأمريكي وهندي وتركي..تتعالى أصواتهم الهاتفة بينما بهواتفهم يحاولون اصطياد لحظة هاربة من وجه جوني ديب. ثم يهرعون إلى حيث يمكنهم متابعة الجلسات على وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة. يشاركون بالملايين على المباشر الحي بالتعليقات. يريدون دفع دفة الحكم لصالحه.  كأنهم نادمون على ما تبادر منهم من ظلم حياله. كأنهم بالملايين يكفّرون عن ذنب التصديق بأنه مغتصِب وعنيف وظالم. كأنهم يبدؤون معه علاقة شغف جديدة. كأنهم جزء من المحكمة…كأنهم.
 يتواصل الجميع في كيمياء غريبة في انتظار يوم الثلاثاء، حيث سينطق القضاة المجتمعون بالحكم النهائي، تنتشر أشكال اليوتوب المأخوذة من المحاكمة بشكل عجيب. مدبلجة ومترجمة للغات عدة. تتنافس في حصد الآلاف والملايين من المتابعات.
سينتهي الفيلم الهوليودي الحي على المباشر بعد يوم وليلة. أما هناك، حيث الديمقراطية الحامية لحقوقهم وكرامتهم نساء ورجالا، سيعود الناس إلى أيامهم العاديات، يقرأون ويسمعون بلا مبالاة عن عالم آخر ليس فيه محاكم ولا كاميرات ولا أضواء كاشفة، يشيحون بوجوههم عن عالم تمزقه الحروب والكراهيات، مظلم وظالم تُرمى فيه النساء بالكبائر والرجال بالذل. عالم بلا قضاة محلفين ولا محامين. تُساق الضحية من الظلمة إلى ظلمة حفرة. فيرميها بالحجر الخطاءون وأكثرهم ذنوبا.
 ماذا لو أن جوني ديب الأمريكي الماهر، الذي فاق تأثيره تأثير الفلاسفة والكتاب، يعود إلى هوليود، فيمثل دورا بفيلم ضخم عن هذا العالم المظلم، علّه يوقظ الملايين من محبيه ومناصري قضيته، على حقيقة كوكبهم الصادمة، ويرد على صوت “إيديث بياف” في فيلمها “لا موم” «La Môme» وهي تقول: لا أحب الأمريكيين، أبدو لهم حزينة ويبدون لي مخادعين.
#ربيعة_جلطي الجزائر

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى