“رمضانيات سجين..!( 2)”


“في مخافر الشرطة”

في مباني المفوضية المركزية تم تجميعنا من قبل فرقة مكافحة الشغب ذلك الشغب الذي لم يكن في قواميسنا غير انه عند شرطتنا الوطنية لا يحتاج إلى معجزة لتأكيد مشاغباتك فالأمر بالنسبة لهم جولة تدريبية.

كنا في حالة إعياء شديد و تعب بادٍ، وقفنا ننتظر في بهو المفوضية ما سيحدث.. في الخارج كان حوالي ثلاثمائة من عناصر الشرطة كانوا على أتم استعداد و في جاهزية مطلقة، كنا نتساءل عما حدث لبقية زملائنا المعتصمين..

أخذت الهاتف و اتصلت على احمد ولد حمدي أحد القادة أو الوحيد الذي بقي معنا على الميدان.. سألته عن حال بقية الأخوة..! بعد أن ذكرت له أسماء المعتقلين و طمأنته على وضعياتهم..

في تلك الأثناء و في ذلك الوقت المتأزم.. كان بعضنا يحاول أن يظهر رجولة مفتعلة و هو ما اتضح فيما بعد أنه عفوية طفولية ليس إلا..! كنا في أمس الحاجة لمزيد من العقل و التصرف بروية بعيدا عن العنتريات و عرض العضلات، كان بعضنا يحاول إلقاء خطب عن ضرورة الحرية و القضاء على العبودية و حول الوحدة و الوطنية و عنصرية الدولة.. كان يتصارع في خطبائنا الحماس الشديد و الوهن الشديد و ربما غلب الأخير على الأول، فيستريح الخطيب ليعاود الكرة مرة أخرى، كان آخرون يرفعون أصواتهم بشعارات لا للعبودية.. لا للقمع.. في مشهد هستيري و كأنما كل واحد منهم يستمع لنفسه و يخاطبها و كأنه هو الخطيب و الجمهور المتلقي.

في هذه اللحظات المليئة بالمتناقضات دخل معتقل تاسع ( علي ولد أبياي ) و وضع في معزل.. ليصبح عدد المعتقلين تسعة.

بعدها جاءنا “المفوض جاكيتي” و المفوض المداوم “مفوض توجنين 3” و صادروا منا الهواتف لتنقطع صلتنا بالعالم الخارج عن حدود المفوضية المركزية، و تم توزيعنا على مفوضيات العاصمة.. سألني المفوض المداوم عن مكان سكني فقلت توجنين، فتم إيداعي لمفوضية توجنين 1، التي وصلتها تقريبا على تمام الحادية عشر، وقد علمت فيما بعد أنه لم يكن معيارا متبعا لتوزيعنا.

حفوت بكرم ضيافة بدا لي كما لو كان مصطنعاً.. بعد تسجيلهم لكل محجوزاتي.. تم تقييدي من اليدين.. وقد اعتذر لي المفتش عن ذلك قائلا: بأن هذا إجراء طبيعي..
أدخلوني إلى غرفة التوقيف وجدت فيها فراشا شبه نظيف، كما يبدو من هوائها فهي حديثة عهد بالكناسة، مما يوحي بأن هناك إجراءات غير طبيعية لضيف فوق العادة.

كانت جدران الغرفة ملوثة، و رائحتها النتنة مختلطة بغبار رطب داخلها، كانت وضعيتها توحي بمعاملة سيئة لنزلائها… نمت ليلتها باكرا.. لأني توقعت الكثير من الاسئلة. غير أنني لم أستيقظ إلا صباحا حين كان الرقيب أول محمد احمد يوقظني للصلاة.. بقيت على هذه الحال لمدة ستة أيام لا أخرج من الزنزانة، قررت في اليوم السادس الإضراب عن الطعام، احتجاجا على الاعتقال التعسفي، كما أن محجوزاتي من العملة الوطنية طالتها أيدي بعض كرماء الشرطة، ففي مساء أحد الأيام أتاني ضابط الصف المداوم بفطور متكامل ليس كسابقيه.. ثم بوثيقة فيها بعض المشتريات و طلب مني التوقيع عليها.

في نفس اليوم الذي قررت فيه الإضراب استدعاني المفتش لبدء التحقيق…

2-42.jpgالحقيقة أنه جاء دون المتوقع، كانت الأسئلة كلها في المتناول، و كانت الإجابة عليها سهلة و بسيطة.. و كنت عاهدت نفسي على الصدق في الإجابة و عدم اللف فيها و الدوران، و قد تمثلت فيها الحكمة القائلة “الصدق منجاة”.

بعد أنتهاء التحقيق بيومين تم تجميعنا في مفوضية الشرطة بدار النعيم 2، لنحال في نفس اليوم إلى النيابة التي بدورها أحالتنا إلى السجن المدني بدار النعيم.


بقلم السالك ولد انل: رئيس منسقية وعي وقضية لمناهضة العبودية

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى